كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 1)

330 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» أَخْرَجَاهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ أَصْحَابِ هِشَامٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ مَقَالٌ، نَعَمْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْد أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَفِيهِ: (فَإِذَا أَفْرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) أَيْ أَعَادَ غَسْلَهُمَا لَاسْتِيعَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ. وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ) وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنهمَا إمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَلَى الْمَجَازِ وَإِمَّا بِحَمْلِهَا عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى،
وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اخْتَلَفَ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ، وَعَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ نَظِيفٍ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا وَمُخْتَارُهُمَا أَنْ يُكَمِّلَ وُضُوءَهُ. قَالَ: لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَفَاضَ) الْإِفَاضَةُ: الْإِسَالَةُ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى عَدَم وُجُوبِ الدَّلْكِ وَعَلَى أَنَّ مُسَمَّى (غَسَلَ) لَا يَدْخُلُ فِيهِ الدَّلْكُ؛ لِأَنَّ مَيْمُونَةَ عَبَّرَتْ بِالْغَسْلِ وَعَبَّرَتْ عَائِشَةُ بِالْإِفَاضَةِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَالْإِفَاضَةُ لَا دَلْك فِيهَا فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَفَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ، وَالْخِلَافُ قَائِمٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ إيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ: لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ ذِكْرُ التَّكْرَارِ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - (أَنَّهَا وَصَفَتْ غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَنَابَةِ) الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: (ثُمَّ يُمَضْمِضُ ثَلَاثًا وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَالْيَقِينِ انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (نَحْوَ الْحِلَابِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَاللَّامِ الْخَفِيفَةِ مَا يُحْلَبُ فِيهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْحِلَابُ: إنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْأَكْثَرُ وَضَبَطَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ: وَهُوَ مَاءُ الْوَرْدِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ،

الصفحة 306