كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتقر في تدريس التَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون وَفِي غَيره من الْجَوَامِع والمدارس وَولى قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالْقَاهِرَةِ في ذِي الْحجَّة سنة 906 عوض عبد الْقَادِر بن النَّقِيب وَاسْتمرّ إلى ثَالِث ربيع الأول سنة 910 عشر وَتِسْعمِائَة فعزل بقاضي الشَّام الشهابي وَصَارَ رَئِيس مصر وعالمها وَعَلِيهِ الْمدَار فِي الْفتيا وَمن صلابته في الدَّين أَنه اتفق للقضاة محنة مَعَ الْأَشْرَف الْمَذْكُور بِسَبَب اقرار الزَّانِيَيْنِ اللَّذين أَرَادَ الْأَشْرَف رجمهما قَاصِدا لإحياء هَذِه السنة فصمم صَاحب التَّرْجَمَة على عدم مُوَافَقَته في ذَلِك فعزل الْقُضَاة الْأَرْبَعَة وشنق الزَّانِيَيْنِ فَوقف صَاحب التَّرْجَمَة عَلَيْهِمَا وَقَالَ أشهد بَين يدي الله بظلمهما وَأَن قاتلهما يقتل بهما فَبلغ الْأَشْرَف ذَلِك فَعَزله عَن مشيخة مدرسته ثمَّ بلغه الله إلى أَن كَانَ قتل الْملك فِي حَيَاته وانقراض دولته فَرد إليه معلومهما من أول ولَايَته لَهما وعد ذَلِك من شهامته وَكَمَال دينه فَعظم بِهِ عِنْد الْخَاص وَالْعَام مَعَ لُزُوم منزله وَتردد النَّاس إليه للِانْتِفَاع بِهِ فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية حَتَّى مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة ثاني شهر الْمحرم سنة 923 ثَلَاث وَعشْرين وَتِسْعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الْخَلِيفَة المتَوَكل على الله العباسي صَاحب مصر عقب صَلَاة الْجُمُعَة وَدفن بتربته الَّتِى أعدهَا فِي ساباط وَله نظم فَمِنْهُ من قصيدة
(دموعي قد نمت بسرِّ غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي)
(فأضحى حديثي بالصبابة مُسْندًا ... بمرسل دمعى من جفون دوامى)
وَمن أُخْرَى
(مَا خلت برقاً بأرجاء الشآم بدا ... إِلَّا تنفست من أشواقي الصعدا)
(وَلَا شممت عبيراً من نسيمكم ... إِلَّا قضيت بَان أقضي بِهِ كمدا)

الصفحة 27