كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

فوصل الى مَكَانَهُ وَاسْتمرّ جَالِسا الى وَقت الْعشَاء لم يطْلب مِنْهُم شَيْئا وَمثل هَذَا عَجِيب وأخبرني أَنه دخل لَيْلَة منزله ووقف فِي الْمَكَان الذى يأوى اليه وَلم يشْعر أَهله بذلك فبقى إِلَى مِقْدَار نصف اللَّيْل في ظلمَة بِلَا مِصْبَاح وَلَا قهوة وَلَا غير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج اليه في السمر مَعَ أَنه كَانَ محباً للسمر وإذا كَانَت هَذِه مُعَامَلَته لأَهله فَمَا ظَنك بمعاملته لغَيرهم وَلَا أعلم أَنه غضب قط أَو خَاصم فى شئ مُنْذُ عَرفته الى أَن مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ نَظِير في حفظ الْأَشْعَار لأهل الْجَاهِلِيَّة والإسلام وَحفظ الْأَخْبَار الَّتِى لَا يدرى بشئ مِنْهَا غَالب أهل الْعَصْر وَمَعَ هَذَا فإنه يحضر مَوَاقِف الِاجْتِمَاع فيتحدث متحدث بِخَبَر من الأخبار فيزيد وَينْقص ويغلط ويصحف ويحرف وَهُوَ مصغ اليه مقبل عَلَيْهِ كَأَن لَا يعرف من ذَلِك شَيْئا فإذا فرغ ذَلِك المتحدث من حَدِيثه استحسنه صَاحب التَّرْجَمَة وَسكت وَلَا يسْتَدرك عَلَيْهِ فى شئ مَعَ أَنه يعلم بتفصيل ذَلِك الْخَبَر وَصَحِيحه وفاسده اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يسْأَله سَائل عَن تِلْكَ الْحِكَايَة أَو يسترشد مِنْهُ الحاكي فإنه حِينَئِذٍ يُمْلِيهَا بِعِبَارَة عذبة ويصوغها بِأَلْفَاظ فصيحة واذا كَانَت مُشْتَمِلَة على شئ من الشّعْر ذكره لَا يُغَادر مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يخجل حاكي تِلْكَ الْقَضِيَّة ويندم على اقدامه وَهَكَذَا اذا روى اُحْدُ من هُوَ بِحَضْرَتِهِ شَيْئا من الشّعْر أصغى اليه وَقد لَا يدري ذَلِك الرَّاوِي لمن الشّعْر وَقد يصحّف في بعضه وَقد لَا يحفظ إِلَّا شَيْئا يَسِيرا من القصيدة وَصَاحب التَّرْجَمَة سَاكِت لَا يتَكَلَّم فإذا سَأَلَهُ سَائل عَن ذَلِك روى تِلْكَ القصيدة من أَولهَا إلى آخرهَا وَذكر السَّبَب الذي قيلت لأَجله وَترْجم لقائلها تَرْجَمَة لَا يدع من أَحْوَاله شَيْئا وَقل أَن يجرى بِحَضْرَتِهِ شئ لَا يعرفهُ وَهُوَ قَلِيل التَّكَلُّف مائل إلى الخمول لَيْسَ لَهُ

الصفحة 417