كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

فِيهِ أحد وَلَا يصدق بذلك إلا من تاخمه وجالسه فانه لَا يعد نَفسه إِلَّا كَأحد النَّاس بل قد رَأينَا كثيراً مِمَّن هُوَ أَصْغَر خدمه بل مِمَّن هُوَ مُتَعَلق بأحقر عمل من عِنْد بعض خدمه يترفع فَوق ترفعه وَيرى لنَفسِهِ من الْحق فَوق مَا يرى لنَفسِهِ وَهَذِه خصيصة اختصه الله بهَا ومزيّة شرّفه الله بالتحلي بهَا فان التَّوَاضُع مَعَ مزِيد الشّرف أحب من الشّرف ثمَّ لَهُ من حسن الْأَخْلَاق أوفر حَظّ وَأكْرم نصيب قلّ أن يجد الإنسان مثل حسن خلقه عِنْد أَصْغَر المتعلقين بخدمته مَعَ مَا جبل عَلَيْهِ من حسن النِّيَّة وكرم الطوية وتفويض الْأُمُور إِلَى خالقه وَالْوُقُوف تَحت الْمَشِيئَة وَبِهَذَا السَّبَب ظفره الله بِمن يناويه وَنَصره على جَمِيع من يعاديه فَلم تقم لباغ عَلَيْهِ قايمة وَهُوَ مجبول على الغريزتين اللَّتَيْنِ يحبهما الله وَرَسُوله الْكَرم والشجاعة وَإِذا وَقع في الظَّاهِر شئ مِمَّا يظن من لم يطلع على الْحَقِيقَة أَنه يُخَالف ذَلِك فَهُوَ لعذر لَو اطلع عَلَيْهِ لوجده الصَّوَاب الذى لَا ينبغى سواهُ وَلَا يَلِيق غَيره وَقد يكون ذَلِك لسَبَب بعض المتصلين بمقامه العالى وَهَكَذَا إِذا وَقع فِي جَانب الرّعية مَالا يُنَاسب الشَّرْع فَهُوَ بِسَبَب من غَيره وَأما هُوَ فَلَا يحب إِلَّا الْخَيْر وَلَا يُرِيد إِلَّا الْعدْل وإذا اتَّضَح لَهُ ذَلِك أبْطلهُ وَلم يرض بِهِ وَكَثِيرًا مَا يخفى عَلَيْهِ ذَلِك بِسَبَب مصانعه بعض من يتَّصل بِهِ للْبَعْض الآخر فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة قد يَقع أَمر لَا يُريدهُ وَلَا يرضى بِهِ وَقد اشْتهر هَذَا بَين النَّاس حَتَّى لَا يَقع التوجع مِنْهُ فِي شئ أبداً بل لجَمِيع الرعية فِيهِ غَايَة الْمحبَّة بِحَيْثُ أنه مرض فِي بعض السنين فَكَانُوا يَجْتَمعُونَ ويبكون وَيدعونَ لَهُ بِالْبَقَاءِ وَقل أَن يتَّفق مثل هَذَا لأحد من الْأَئِمَّة والسلاطين في الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَهُوَ آخذ من علم الشَّرْع بِنَصِيب قرأ قبل مصير الْخلَافَة إليه

الصفحة 463