كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

الصَّدْر لَا يَعْتَرِيه غل وَلَا حقد وَلَا سخط وَلَا حسد وَلَا يذكر أحداً بِسوء كَائِنا من كَانَ محسناً إلى أَهله قَائِما بِمَا يحتاجونه متعباً نَفسه فِي ذَلِك صَابِرًا محتسباً لما كَانَ يجْرِي عَلَيْهِ من بعض الْقُضَاة الَّذين لَهُم كلمة مقبولة وصولة مَعَ كَونه مَظْلُوما في جَمِيع مَا يَنَالهُ من المحن ونوائب الزَّمن وَالْحَاصِل أَنه على نمط السلف الصَّالح في جَمِيع أَحْوَاله وَلَقَد كَانَ تغشاه الله تَعَالَى برحمته ورضوانه من عجائب الزَّمن وَمن عرفه حق الْمعرفَة تَيَقّن أَنه من أَوْلِيَاء الله وَلَقَد بلغ معي إلى حد من الْبر والشفقة والإعانة على طلب الْعلم وَالْقِيَام بِمَا أحتاج إليه مبلغاً عَظِيما بِحَيْثُ لم يكن لي شغلة بِغَيْر الطلب فجزاه الله خيراً وكافاه بِالْحُسْنَى وَهُوَ زاهد من الدُّنْيَا لَيْسَ لَهُ نهمة في جمع وَلَا كسب بل غَايَة مَقْصُوده مِنْهَا مَا يقوم بكفاية أرحامه فإنه اسْتمرّ في الْقَضَاء أَرْبَعِينَ سنة وَهُوَ لَا يملك بَيْتا يسكنهُ فضلاً عَن غير ذَلِك بل بَاعَ بعض مَا تَلقاهُ مِيرَاثا من أَبِيه من أموال يسيرَة في وَطنه وَلم يتْرك عِنْد مَوته إلا أَشْيَاء لَا مِقْدَار لَهَا وقرأت عَلَيْهِ رَحمَه الله فِي ايام الصغر فِي شرع الأزهار وَشرح الناظري مَعَ غيري من الطّلبَة وَهُوَ في آخر أَيَّامه قَرَأَ عليّ في صَحِيح البخاري وَلم يزل مستمراً على حَاله الْجَمِيل معرضاً عَن القال والقيل مَاشِيا على أهْدى سَبِيل حَتَّى توفاه الله تَعَالَى بِصَنْعَاء لَيْلَة الِاثْنَيْنِ بعد أَذَان الْعشَاء وَهِي اللَّيْلَة المسفرة عَن رَابِع شهر الْقعدَة سنة 1211 إحدى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلم يُبَاشر شَيْئا مِمَّا يتَعَلَّق بِالْقضَاءِ قبل مَوته بِنَحْوِ سنتَيْن بل تجرد للاشتغال بِالطَّاعَةِ والمواظبة على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَلم يكن لَهُ الْتِفَات إلى غير أَعمال الْآخِرَة رَحمَه الله وَترك وَلدين أكبرهما مُحَمَّد وَهُوَ جَامع هَذَا الْكتاب وَيحيى وَهُوَ الآن مشتغل بِقِرَاءَة عُلُوم

الصفحة 484