كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

أَبى دَاوُد وَحصل الْأَجْزَاء وَنظر في الرِّجَال والعلل وتفقه وتمهّر وَتقدم وصنّف ودرس وَأفْتى وفَاق الأقران وَصَارَ عجباً في سرعَة الاستحضار وَقُوَّة الْجنان والتوسع فى الْمَنْقُول والمقعول والاطلاع على مَذَاهِب السلف وَالْخلف انْتهى وَأَقُول أَنا لَا أعلم بعد ابْن حزم مثله وَمَا أَظُنهُ سمح الزَّمَان مَا بَين عصر الرجلَيْن بِمن شابههما أَو يقاربهما قَالَ الذهبي مَا ملخصه كَانَ يقْضى مِنْهُ الْعجب إِذا ذكر مَسْأَلَة من مسَائِل الْخلاف الَّتِى يوردها مِنْهُ وَلَا أَشد استحضاراً للمتون وعزوها مِنْهُ وَكَانَت السنة نصب عَيْنَيْهِ وعَلى طرف لِسَانه بِعِبَارَة رشيقة وَكَانَ آية من آيَات الله في التَّفْسِير والتوسع فِيهِ وَأما أصُول الدّيانَة وَمَعْرِفَة أَقْوَال الْمُخَالفين فَكَانَ لَا يشق غباره فِيهِ هَذَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْكَرم والشجاعة والفراغ عَن ملاذ النَّفس وَلَعَلَّ فَتَاوِيهِ في الْفُنُون تبلغ ثَلَاثمِائَة مُجَلد بل أَكثر وَكَانَ قوالاً بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ بِاللَّه لومة لائم ثمَّ قَالَ وَمن خالطه وعرفه قد ينسبني إِلَى التَّقْصِير فِيهِ وَمن نابذه وَخَالفهُ قد ينسبني إِلَى التغالي فِيهِ وَقد أوذيت من الْفَرِيقَيْنِ من أَصْحَابه وأضداده وَكَانَ أَبيض اسود الرَّأْس واللحية قَلِيل الشيب شعره إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ كَأَن عَيْنَيْهِ لسانان ناطقان ربعَة من الرِّجَال بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ جهوريّ الصَّوْت فصيحاً سريع الْقِرَاءَة تعتريه حِدة لَكِن يقهرها بالحلم قَالَ وَلم أرمثله في ابتهاله واستعانته بِاللَّه وَكَثْرَة توجهه وَأَنا لَا أعتقد فِيهِ عصمَة بل أَنا مُخَالف لَهُ في مسَائِل أَصْلِيَّة وفرعية فَأَنَّهُ كَانَ مَعَ سَعَة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدَّين بشراً من الْبشر تعتريه حِدة فِي الْبَحْث وَغَضب وصدمة للخصوم

الصفحة 64