كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

تزرع لَهُ عَدَاوَة فى النُّفُوس وَلَولَا ذَلِك لَكَانَ كلمة إجماع فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بَحر لَا سَاحل لَهُ وكنز لَيْسَ لَهُ نَظِير وَلَكِن ينقمون عَلَيْهِ أخلاقاً وأفعالاً وكل أحد يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك قَالَ وَكَانَ محافظاً على الصَّلَاة وَالصَّوْم مُعظما للشرائع ظَاهرا وَبَاطنا لَا يُؤْتى من سوء فهم فإن لَهُ الذكاء المفرط وَلَا من قلَّة علم فإنه بَحر زاخر وَلَا كَانَ متلاعباً بِالدّينِ وَلَا ينْفَرد بمسائل بالتشّهي وَلَا يُطلق لِسَانه بِمَا اتفق بل يحْتَج بِالْقُرْآنِ والْحَدِيث وَالْقِيَاس ويبرهن ويناظر أُسْوَة بِمن تقدمه من الْأَئِمَّة فَلهُ أجر على خطأه وأجران على إصابته انْتهى وَمَعَ هَذَا فقد وَقع لَهُ مَعَ أهل عصره قلاقل وزلازل وامتحن مرة بعد أُخْرَى في حَيَاته وَجَرت فتن عديدة وَالنَّاس قِسْمَانِ فِي شَأْنه فبعض مِنْهُم مقصر بِهِ عَن الْمِقْدَار الَّذِي يسْتَحقّهُ بل يرميه بالعظائم وَبَعض آخر يُبَالغ في وَصفه ويجاوز بِهِ الْحَد ويتعصب لَهُ كَمَا يتعصب أهل الْقسم الأول عَلَيْهِ وَهَذِه قَاعِدَة مطردَة في كل عَالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بِالْكتاب وَالسّنة فإنه لَا بُد أَن يستنكره المقصرون وَيَقَع لَهُ مَعَهم محنة بعد محنة ثمَّ يكون أمره الْأَعْلَى وَقَوله الأولى وَيصير لَهُ بِتِلْكَ الزلازل لِسَان صدق في الآخرين وَيكون لعلمه حَظّ لَا يكون لغيره وَهَكَذَا حَال هَذَا الإمام فإنه بعد مَوته عرف النَّاس مِقْدَاره واتفقت الألسن بالثناء عَلَيْهِ إلا من لَا يعْتد بِهِ وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته وَأول مَا أنكر عَلَيْهِ أهل عصره فِي شهر ربيع الأول سنة 698 أَنْكَرُوا عَلَيْهِ شيأ من مقالاته فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَبَحَثُوا مَعَه وَمنع من الْكَلَام ثمَّ طلب ثاني مرة في سنة 705 إِلَى مصر

الصفحة 65