كتاب البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (اسم الجزء: 1)

الْفَهم وَفَسَاد التَّصَوُّر مَعَ أَنه شَيْخه لَكِن قَالَ بعض الْفُضَلَاء رُبمَا كَانَ مقْصده حسناً في ذَلِك لتَضَمّنه الْتِفَات النَّاس إِلَى سَماع مَا رأى وَأَن غَيره أَخطَأ لِأَنَّهُ لَو أورد الْكَلَام ساذجاً بِدُونِهِ لم يلتفتوا إليه لكَون الأسنوي عِنْدهم جليل الْمِقْدَار انْتهى وَهَذَا محمل حسن فإنّ في مثل ذَلِك تَأْثِيرا ظَاهرا ولمثل هَذَا الْمَقْصد سلكت فِي حاشيتي على شِفَاء الأوام ذَلِك المسلك ونسأل الله إصْلَاح الْأَقْوَال والأعمال
(54) أَحْمد بن أَبى الْفرج بَرَكَات الفارقاني تَاج الدَّين
كَانَ أَبوهُ نَصْرَانِيّا يعرف بِسَعْد الدولة فَأسلم ولقب بشرف الدَّين وخدم وَلَده عِنْد بهادر رَأس النّوبَة فَتقدم إِلَى أَن صَار مُسْتَوفى الدولة فَلَمَّا ولي الْأَعَز الوزارة الْمرة الثَّامِنَة صادره وضربه بالمقارع فَترك الْمُبَاشرَة وَانْقطع بزاوية الشَّيْخ نصر المنبجي وَكَانَ الشَّيْخ نصر صديق السُّلْطَان بيبرس الجاشنكير وَقل أَن يُخَالِفهُ فى شئ فَكَلمهُ في أمره فأعفاه من الْمُبَاشرَة وَاسْتمرّ بالزاوية إِلَى أَن حفظ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وتوصل إِلَى أَن استخدمه بيبرس وَحصل لَهُ أَمْوَالًا جمة في مُدَّة يسيرَة وَتقدم عِنْده إِلَى أَن صَار هُوَ المتحدث في الدولة باسرها وَلَا يعْمل فِيهَا شئ إلا بعد مُرَاجعَته وَكَانَ كثير الإعجاب والزهو بِنَفسِهِ والتعاظم بِحَيْثُ كَانَ الشَّخْص إِذا كَلمه وَهُوَ رَاكب امْر بضربه بالمقارع فَصنعَ ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَلم يَجْسُر اُحْدُ أَن يتحدث مَعَه وَهُوَ رَاكب وَإِذا نزل وَدخل منزله لم يَجْسُر أحد على الهجوم عَلَيْهِ فيصبر النَّاس على اخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ على بَابه حَتَّى الْقُضَاة فَصَارَ مهاباً مُحْتَرما جداً وَمَعَ ذَلِك فَلَا يقبل هَدِيَّة وَلَا يخالط أحداً وَلَا يجْتَمع بغريب ويقتصد في

الصفحة 94