كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

ولم يسِر لذريق إلى طليطلة مباشرة بعد إعلانه نفسه ملكاً، بل تريَّث بعض الوقت ليتيسر له جمع أنصاره وملاقاة رَخَشَندش ورجاله في موقعة حاسمة. وكان قد أعلن نفسه ملكاً في ربيع سنة (710 م)، قبل الهزيمة المسماة عادة بهزيمة: جواداليتي (وادي لَكُّهْ) بسنة، وكان ذلك في السنة الخامسة من حكم الوليد بن عبد الملك بن مروان في دمشق، كما يقول: (النص اللاتيني المجهول المؤلف). ويذهب راوية آخر إلى أنه ذهب إلى بَطَلْيَوْس، دون أن يذكر لنا السبب في الذهاب إلى ذلك البلد البعيد. والثابت أنه سار إلى طليطلة بعد أشهر من إعلان نفسه ملكاً على رأس جيش كبير، فيه جلّة قواد القوط ونبلائهم، وهزم رخَشَندش في واقعة حاسمة، قتل فيها هذا الأخير وتفرق أتباعه. أما أبناء غيطشة، فلم يجدوا مفرّاً من مغادرة البلاد فراراً من الغاصب، ففروا إلى إفريقية، وصادر لذريق أملاكهم معتبراً إياهم ثائرين على العرش، والقانون القوطي يقضي بمصادرة أملاك كل ثائر على العرش.
ويبدو أن لذريق، ظل يخشى طيلة أيام حكمه القصيرة، عودة أبناء غيطشة إلى البلاد، ومحاولة استعادة عرشهم بمساعدة أنصارهم الكثيرين، ومن ثم حرص على أن ينفر الناس منهم، بالمبالغة في تصوير أعمال أبيهم ومظالمه، وأعانه على ذلك القساوسة، لأن غيطشة كان لا يجيبهم إلى ما تصبو إليه نفوسهم من القضاء المبرم على يهود. فلا غرابة أن نجد عند معظم المؤرخين الإسبان اللاتين صوراً بغيضة جداً لهذا الملك وأولاده، وما كانوا يدبرون للبلد وأهله من سوء. وقد تصدى نفر من المؤرخين الإسبان المحدثين الدفاع عن غيطشة وأبنائه، بيد أن هذا الدفاع عن غيطشة وأبنائه، والإصرار على تبرئة لذريق من كل عيب، وتصويره فى صورة بطل وطني جاهد المسلمين من بلاده، وبذل كل ما يملك لينجو ببلاده من خطرهم، كل هذا الجهد لا يمنعنا من تعرف شخص لذريق وأحوال عصره تعرفاً معقولاً، هو أقرب ما يكون إلى الصواب.
ومن الواضح، أن الرجل كان يشعر باضطراب الأمر عليه، وأنه ظل حياته

الصفحة 133