كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

وصفاً شائقاً، وأوضح له أن بلاد إسبانيا في انحطاط فلا تحتاج فتحها إلاّ إلى قليل من الجنود والعتاد.
وفي سنة 710 م بعد بعثة استطلاعية، جهّز العرب قائداً بربرياً ومعه (7000) جندي، ثم أمدَّه بخمسة آلاف فارس من البربر، وقبل انتهاء سنة 711 م، تم للعرب فتح شبه جزيرة إسبانيا، وانحصر بقية الجنود القوطيين والأشراف والقسيسين في بقعة جبلية صغيرة على خليج بسكاي، وصعد العرب على جبال البرات، وبنوا عليها سلسلة من القلاع ليحصنوا أنفسهم من سكان فرنسة، الذين كانوا في نظرهم غريبي الأطوار متوحشين، وبمرور الزمن، فتحوا جنوبي فرنسة. ولما وصلت أخبار هذه الفتوح وما فيها من الغنائم والأراضي الخصبة إلى الشرق، جذبت خلقاً كثيراً من العرب والبربر للالتحاق بإخوانهم في الغرب. وبعث الخليفة من دمشق والياً استعمله على بلاد الأندلس، ومعه أربعمائة من أشراف العرب، فتجدد في العرب التعطّش إلى الازدياد من الفتح. وفي وقت من الأوقات، كان في بلاد فرنسة مائة ألف جندي من العرب، يجوسون خلال ديارها ويدوِّخون أهلها. وفي ذلك الوقت كانوا قد بلغوا درجة عالية من التمدن والرقي. وقد رحّب أهل جنوبي فرنسة بهؤلاء الفاتحين، ورأوا فيهم رُوماً جُدداً بالنسبة إلى الفرنج والجرمانيين الشماليين المتوحشين. ولا حاجة للإطناب في إخفاق العرب وعدم تقدمهم في أوروبا، الذي يُسمَّى في أكثر المدارس الغربية انتصاراً للتمدن والنصرانية، وهذه تسمية خاطئة مائة في المائة. وبأي شيءٍ عاد إلى أوروبا من وبال، بل الأجدر بنا أن ننظر في الخطة التي سار العرب عليها في إسبانيا نفسها، حتى أوصلوها من الرقي إلى درجة جعلت بقية أوروبا بالنسبة إليها همجية متوحشة، ولكن قبل أن نتجاوز هذا المقام، ينبغي أن تعرف أن حضارة العرب وتهذيبهم تركا أثراً خالداً في أهل جنوبي فرنسة، فبقوا قروناً طويلاً متصلين بالعرب من الوجهة الثقافية. فثنايا جبال البرانس كانت أول مصدر من مصادر الإلهام لأوروبا البربرية. ولم يلبث أهل جنوبي فرنسة أن

الصفحة 173