كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

الإمام الشيخ محمد أبو زهرة -رحمه الله تعالى- تقريظاً لكتاب اللواء الخطاب (بين العقيدة والقيادة) قال: (وإن صديقي الكريم اللواء الركن محمود شيت خطاب، القائد العظيم المدرك والوزير المخلص -وقليل ما هم- سعدت بمعرفته من نحو أربع سنين أو أقل (1)، والمدة في الحالين لا تزيد، ولكني بمجرد أن التقيت به أحسست بأني أعرفه منذ سنين تُعَد بالعشرات، لا بالآحاد، وكأن الأرواح قد تعارفت قبل أن تتلاقى الأشباح، وكأن الصورة قد رأيتها، وما لقيتها؛ لأن الأرواح تتآلف وتسبق الائتلاف، وتتقارب وتسبق الاقتراب، ولذلك سرعان ما تصادقنا عندما التقيت به، وكأن صداقتنا ترجع بالماضي على آماد، لا إلى وقت قريب.
إذا اجتمعنا منفرِدَيْن أو في جَمْع، وتبادلنا الأفكار، أحسست بأني لا أنوي فكرة إلا سبقني إليها، وقد أسارع إلى القول بما في خاطره، قبل أن يبديه، وكان ذلك لامتزاج نفوسنا، وصفاء ما في نفسه، وابتعاده عن الالتواء في القول أو الفكر أو الاتجاه، فهو يسير بفكره وقوله وعمله في خط مستقيم، كاستقامة قامته، والخط المستقيم يُعرَف ابتداؤه كما يعرف وسطه وانتهاؤه.
وكانت مجالس نتبادل فيها الحديث على نور من الله، وروحانية نفوس، واستقامة قلوب بيننا، فكنت أتذكر في هذه الصحبة قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله ناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله" قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: قوم تحابّوا بروح من الله على غير أرحام تربطهم، ولا أموال يتعاطونها، والله إنهم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم تلا قوله تعالى ((ألا إن أولياء الله لا
_______
(1) تاريخ الطبعة الأولى من الكتاب هو سنة 1392 هـ-1972 م، ومن خلال هذا التاريخ يعرف تاريخ كلمة الشيخ أبي زهرة رحمه الله تعالى.

الصفحة 19