كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

الكارثة
ولما ضعف أمر العرب المسلمين في الأندلس، بسبب تفرّقهم واختلافهم وتنازعهم، غزاهم الإسبانيون، وأخرجوهم من الأندلس مدينة بعد مدينة. ولا أريد أن استصغر من شأن الغزاة الإسبان وأعمالهم، ولكن إذا حلّلناها نرى أنّها لا تشتمل على شيءٍ من الخوارق، إذ أُعلنت الحروب الصليبية - أي الغزوات الدينية - وكانت من الفظاعة والقسوة مثل الحروب الصليبية التي غزا فيها البابا أنسنت الثالث الألبجينيين (1)؛ فالصلبان التي يزيّن الأمراء والجنود صدورهم بها من الإنكليز والفرنسيين والقشتاليين، كانت هي الإذن في إطلاق العنان للنفوس الأمارة بالسوء في النهب والسلب والأعمال الوحشية (2).
_______
(1) نسبة إلى (البجنس Albigens) ، وكانوا خوارج على الدين المسيحي ومبتدعين فيه في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكانت عقيدتهم مشبعة بالزهد والتقوى، ولكنهم كانوا يخالفون القسيسين، وينقمون عليهم ما كانوا يرتكبونه من الفساد، فاتّحد القسِّيسون وفي مقدمتهم البابا، وعذّبوهم أشدّ العذاب، وكانت غاية هؤلاء القسيسين الاستيلاء على الماديات من متاع الحياة الدنيا لا غير، ونصبوا مجازر ذبحوا فيها خلقاً كثيراً وقتلوهم تقتيلاً فظيعاً. وكان الألبجينيون قد أخذوا بشيءٍ من المدنية، ولكن المذهب الكاثوليكي وقف عقبة كئوداً في طريقهم، وكان البابا أنسنت الثالث المغرور، قد أعلن الحرب الدينية عليهم، فظهرت حينئذٍ صفحة من أفجع صفحات التاريخ، وأبرزت العصبية نفسها في أفظع صورة وأحلكها، وقتلوا آلافاً من أولئك المساكين. ومن المعلوم أنّ الألبجينيين دافعوا عن أنفسهم دفاع المستميت، ومع أنّ الكنيسة حشدت جميع قواها عليهم، فقد خسرت كثيراً من العَدَد والعُدَد، حتى كسرت شوكتهم وأحرقت منهم مائتين في يوم واحد، وأصبح تاريخهم أحلك صفحة في العصور المظلمة.
(جوزف ماك جب في كتابه: حضارة العرب في الأندلس ص: 64).
(2) يعني أنّه بمجرد حمل الصليب والتوجّه لغزو المخالفين، يحلّ للغازي كلّ شيء يريده =

الصفحة 206