كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

عظيمة من الجواهر تجعل فيها من الزينة والزخرفة ما لا يأتي عليه الوصف، وكان ذلك الزخرف في الأسلحة البديعة والحلل الفاخرة والأثاث النفيس.
ومن حسن الحظ، بقي قصر الحمراء الملكيّ ليرينا الجلالة والتأنّق والإبداع في فنون العرب المسلمين الأندلسيين، وحتى هذه الدرّة، أصابها ما أصابها على يد الإسبانيين، وكانت سائرة في طريق الخراب، لولا أنّ بقية أوروبا وأمريكا أجبروهم على أن يستبقوا شيئاً من الحياء. وحتى في هذا اليوم يجد فيها الإنسان لفظ: "أرض عبقر" حين يخرج من دهليزها المظلم إلى عرصة الأسود، فيرى سواري المرمر الدقيقة كأغصان البان، ويتملّى بالنظر إلى سطور الأساطين المستقيمة وسقوفها المصبوغة بالألوان الزاهية، إذا نظرت إليها خلتها زرابي أعجمية مرقّشة، أو رياض أزهار بهيجة، قد اشتبكت فيها أشجار الصناعة العجيبة. ولها طنوف مشرفة، قد أُفرغت في قوالب بديعة، يحار الواصف في وصفها. أمّا جدرانها ففيها من الترقيش العربيّ والتشجير والزخرف والأمثال والحِكَم المسطورة بأجمل شكل يذهل العقول ويروّع الناظرين. ولكن ينبغي لنا أن نتصورها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، حين كانت الثياب التي تُرى فيها كلّها من الحرير الخالص، وحين كانت جدرانها تتلألأ بالألوان اللازورديّة والأرجوان والذهب، وحين كان الآس والأترج والورد، ومباخر الفضة يحترق فيها عود الطيب تفعم جوّها بالروائح الطيبة. وكانت على الجبل المجاور لها وسهوله الواسعة الأرجاء عشرات الألوف من القصور الفخام التي لا تقل جمالاً وإبداعاً في الذوق عن الحمراء، إلاّ أنها أقلّ تلألؤاً بالذهب والفضة والجواهر. قال سكوت: "ماذا عوّضنا الغازي الصليبي القشتالي الهمجي عن تلك القصور؟ وأيّ فائدة يجنيها النوع البشري من وراء تخريبها؟! فليجب عن هذا السؤال أولئك الذين يمجدون طرد (الكفار) من أوروبة" وكان الإسبان قد حشدوا جنداً عظيماً. أما العرب المسلمون فقد نقص عددهم من ثلاثين مليوناً إلى ثلاثة ملايين. ولم يكن ملك الإسبان

الصفحة 209