كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

العجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فكانوا يسجدون للمسيح في الملأ، ويبصقون عليه في خلواتهم، لأن الكاثوليكيين لم يحسنوا معاملة المسلمين، ولم يكن لهم علم، فكانت أعمالهم وأقوالهم ناشئة عن الجهل المطبق، بعيدة عن التحقيق والعدل.
يقول ستانلي لين بول المؤرِّخ اليقظ، بينما كان زيمنس (1) رئيس محاكم المحنة في إسبانيا يصدر أوامره بمنع المسلمين من الاستحمام، واختيار صفة الوسخ التي يتصف بها مستعبدوهم (2)، كان نصف أهل أوروبة يرفضون
_______
(1) زيمنس ( Ximens) (1437 هـ-1517م) كان رئيس الأساقفة، وفي أوائل أيامه وقعت عداوة بينه وبين المطران الكبير في طليطلة، فحبس مدة من أجل مكايده، ثمّ تعيّن قسيساً خاصاً لسماع اعترافات إيزابيلا، وكان يتظاهر بالزهد والتقشف والورع الكاذب، ولما استولى فرديناند وإيزابيلا على غرناطة، دَعَواه ليكون في خدمتهما هناك، وهو الذي أشار عليهما بالكيد للمسلمين والغدر بهم، ولم يقتصر على إتلاف جميع النسخ التي ظفر بها من القرآن، بل كان يتلف كلّ ما وصلت إليه يده من الكتب العلمية والأدبية، وهو الذي أمر بنصب محاكم المحنة (التفتيثس) وتعذيب المسلمين تعذيباً كاد يحدث ثورة. وحينئذٍ ظهر بمظهره الحقيقي، فاخذ يعيش عيشة الملوك. حتى إنه لما مات فرديناند، قام زيمنس ونصب نفسه نائباً للملك شارل، لأنّه كان غائباً. وتمتع برئاسة الوزارة عشرين سنة، ثم عزل، فمات غماً من أجل عزله. وكان قاسي القلب، شديد الحقد لكل مَن يخالفه الرأي، ولو كان من أهل دينه. وكان رئيساً لمحاكم التفتيش، فقتل ألفين وخمسمائة شخص، وتحمّل إثم دمائهم في ذمته، ولا شك أنّ أعماله القاسية أحدثت ثورة، ولكنه قضى عليها بمكره. وكان لا يستنكف أن يكون قائداً للجيش بنفسه، متى اقتضت المصلحة ذلك، أنظر جوزف ماك جب - حضارة العرب في الأندلس ص: 73.
(2) نظافة البدن التي كان الأقدمون يعتنون بها كل الاعتناء، أُهملت كلّ الإهمال بعد انقراض دولة الروم، حتى أنّ أهل أوروبا لم يكونوا يغتسلون إلاّ في أحوال خاصة، وناهيك اْنّهم كانوا يفرضون الغسل على مَن يريد الدخول في جماعة (تايتس) وهم أمراء الحروب الصليبية، ولذلك كانوا يسمونهم: فرسان الحمّام. وكان الملوك والملكات يقتدون برعاياهم في عدم النّظافة، حتى أنّ الملك العظيم لويس الرابع عشر لم يغتسل قط، بل كان يكتفي بالإدِّهان بالعطور، ولم تكن توجد حمّامات في قصور الأمراء والأغنياء، إلاّ في القرن التاسع عشر الميلادي، أنظر جوزف ماك جب =

الصفحة 212