كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

دعاوى الفاتيكان، ويتخذونها سُخرياً، وكان العلماء يضعون العلم الحديث.
ذلك ما ذكره جوزف ماك جب في كتابه حضارة العرب في الأندلس، وما ذكره معروف التفصيل في المصادر العربية القديمة والحديثة، ولكنني آثرتُ أن أقتبس ما ذكره هذا المؤلِّف المسيحي وغيره من المؤلفين المسيحيين، لأنّهم مسيحيون يتحدّثون عن جرائم الإسبانيين المسيحيين في التخريب والتدمير واكتساح الحضارة والظلم والقتل والنهب والسلب والتنصير قسراً، خلافاً لما فعله العرب المسلمون بالإسبانيين النصارى أيام الفتح الإسلامي للأندلس، فما أكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام، ولا ظلموا أحداً ولا خانوا عهداً، وتركوا أهل إسبانيا النصارى يمارسون عبادتهم بحرية في كنائسهم، وكان بإمكانهم في أيام الفتح ألاّ يتركوا إسبانياً واحداً يصر على التمسك بالمسيحيّة، ولكنهم لم يفعلوا، إذ: ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ)) (1).
وهذا هو الفرق العظيم بين المسلمين إذا حكموا وقدروا، وبين غيرهم إذا حكم وَقَدَر، كأنّ الشاعر حَيْصَ بَيْص أرادهم بقوله:
حَكَمْنَا فكانَ العفوُ مِنّا سَجِيّةً ... فلما حكمتم بالدم أبطحُ
فحسبكُم هذا التفاوت بينَنا ... وكلّ إناء بالذي فيه يَنضح
وليس من الممكن اتِّهام الأمريكي جوزف ماك جب بالافتراء على بني جنسه ودينه والانحياز للعرب المسلمين، لذلك آثرت اقتباس أقواله في هذه الدراسة.
وحريّ بي أن أنقل تلك العبارة الموجزة القويّة، التي يُجمل فيها الدكتور (لي)، وهو من أحدث الباحثين في هذا الموضوع، مأساة العرب المتنصرين، إذ يقول في مقدمة كتابه: "إنّ تاريخ الموريسكيين (2) لا يتضمّن فقط مأساة تثير
_______
= حضارة العرب في الأندلس ص: 73.
(1) سورة البقرة - الآية: 256.
(2) الموريسكيون Morisques: هم النصارى الذين تدينوا بدين الإسلام عن =

الصفحة 213