كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 1)

إلقاءها على عواتق الآخرين.
وكان له نفسية متماسكة رصينة، لا تتبدّل في حالتي اليسر والعسر، والنصر الاندحار.
وكان يسبق النظر، ويضع نفسه موضع العدو، ويفكِّر بما عساه أن يفعل لو كان مكانه، ثم يُعِدّ لكل ما يتوقعه من نشاطات معادية وخطط، ما يكون مستعداً به سَلَفاً لمعالجة التحديات، فلا يؤخذ على حين غرة، ويكون مستعداً باستمرار لمعالجة ما يتوقعه من أحداث، في المكان والزمان الجازمين.
وكان على معرفة دقيقة بنفسيات رجاله وقابلياتهم بخاصة، لأنه على اتصال مباشر مستمر، وبنفسيات وقابليات الفاتحين في الأندلس بعامة، لأنه المسئول الأول عن المخابرات في الأندلس، ومن واجبه أن يعرف نفسيات الفاتحين وقابلياتهم، ليكون قادراً على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
وكان يثق برجاله ويثقون به، ويثق برؤسائه ويثقون به، وكان موضع ثقة الخليفة بالذات وموضع اعتماده.
وكان يحب رجاله ويحبونه، وكان موضع حب الخليفة وموضع رجائه، فقد كانا معاً صغيرين، وتعلما معاً، وعاشا معاً، وأصبح مصيراهما مصيراً واحداً، كأنهما أخَوَان وليسا بأخوين.
وكان يتمتع بشخصية قوية نافذة، يحسب حسابها الكبير قبل الصغير، حتى لكأنّ شخصيته كانت طاغية على شخصية موسى بن نصير وطارق بن زياد (1)، وقد وقع بينه وبين طارق، ثم وقع بينه وبين موسى سيِّد طارق، مما يدل على قوة شخصيته.
وكان يتمتع بقابلية بدنية متميّزة، فقد كان في شبابه يوم كان في الأندلس أيام الفتح، وظلّ متمتِّعاً بقابليته البدنية الفائقة حتى آخر يوم من أيامه، حيث
_______
(1) نفح الطيب (3/ 12).

الصفحة 454