كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 1)

وأما مالك رحمه الله تعالى، فقد تقدم أنه يحمله على الكراهة دون التحريم -كما تقرر-، وإذا ثبت أن النهي على الكراهة، أو احتمل ذلك، سقط الاستدلال على عدم طهورية الماء المستعمل بهذا الحديث.
هذا، وقد روى أبو داود: أنه عليه الصلاة والسلام مسح رأسه من فضل ماء كان في يده (¬1)، وقد قال في بئر بُضاعة: خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء» (¬2)، ومن جهة المعنى: أن هذا الماء لم يلاقِ إلا جسما طاهرا، ولم يخرج عن اسم الماء، وكونه أديت به عبادة لا تأثير له كما لو صلى بالثوب الواحد مرارا، وكالمد من الطعام يكفر به مرارا.
فإن قلت: لم كُره عند وجود غيره، عند مالك رحمه الله؟ قلت: اختلف في علة ذلك، فقيل: لاختلاف العلماء فيه، فغيره مما لا خلاف فيه أولى، وقيل: لشبهه بالماء المضاف؛ وإن كانت الإضافة لم تغيره، إذ الأعضاء -في الأغلب- (¬3) لا تخلو عن الأعراق
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (130)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، من حديث الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -.
(¬2) رواه أبو داود (66)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في بئر بضاعة، والنسائي (326)، كتاب: المياه، باب: ذكر بئر بضاعة، والترمذي (66)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، وقال: حسن من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(¬3) في (ق): "الغالب.

الصفحة 94