كتاب الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (اسم الجزء: 1)

فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ». قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ». قُلْنَ بَلَى. قَالَ «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ». قُلْنَ بَلَى. قَالَ «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا». أطرافه 1462، 1951، 2658
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رؤية القلب بمعنى العلم فعلى المفعولية، والأولُ هو الوجهُ لما في سائر الروايات: "نظرتُ في جهنَم فإذا أكثر أهلها النساء: (فقلْنَ) وفي بعضها: قُلْنَ (بمَ يا رسول الله) أصله بما، حذف منه الألف في الكتابة واللفظ تخفيفًا مع عدم اللبس، أي: بأي سبب.
(تكثرن اللعن) أصل اللعن الطردُ والإبعاد، ولا يجوزُ لعنُ أحد معين، مؤمنًا كان أو كافرًا إلا إذا مات على كفره؛ لأنه رجم بالغيب، وما وقع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلعلمه بذلك، أو لم يرد به معناه، وعليه يحمل ما وقع من السلف (وتكفرن العشير) فعيل بمعنى الفاعل كالجليس والصديق، واشتقاقه من العُشْرة وهي الصحبة. والمراد به في الحديث: الزوج (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهبَ لِلُبّ الرجل الحازم من إحداكُنّ) قيل: هذا زائدٌ على الجواب ويسمى الاستتباع. وفيه نظر؛ لأن إذهاب لُبّ الرجل الحازم من أقوى موجبات النار.
العقلُ لغة: المنعُ، وفي العرف:، قوة تميز بين الحسن والقيح. جعله الله مناطَ التكليف والناس فيه متفاوتون بحسب الجبلة. والحكم على النساء بنقصانه باعتبار الغالب. وكم امرأةٍ أعقلُ من كم رجل. وأذهب: أفعل تفضيل، من الإذهاب على ما جوَّزه سيبويه، وعند غيره شاذ. ولُبُّ كل شيء خلاصتُه. أريدَ به العقلُ الخالصُ عن شوائب الوهم، والحزم: ضبط الرجل أمره أخذه بالثقة من حزمت الشيء شددته.
(أليس شهادة المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟) استفهام تقرير، أي: الأمر كذلك، وقد أشير إلى العلة في قوله تعالى: {فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] (فذلكِ) -بكسر الكاف- أفرد الخطاب؟ لأن الحكم المذكور قائم بكل واحدة على حدة.
وفقه الحديث: أن جنس الرجل أفضلُ من جنس المرأة وأن فضل بعض أفراد هذا الجنس، وأن على الأئمة تعليم النساء أمر دينهن، وأن الإنسان إذا فاته فضيلة يسعى في مثلها جبرانًا لما فاته. وكفران العشير من الكبائر لتوعّد الشارع عليه بالنار، وإطلاق الكفر على كفران النعمة، وأن للواعظ التغليظ في الوعظ، إلا أنه لا يواجه به معينًا.

الصفحة 456