كتاب مسند الفاروق ت إمام (اسم الجزء: 1)

طريق أخرى
(366) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني أحمد بن محمد بن الجَعْد، ثنا عبد الملك بن عبد ربِّه، ثنا عطاء بن زيد، حدثني سعيد، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين قبري ومنبري واسطوانةِ التوبةِ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ» (¬1).
¬_________
= 2 - عبد الله بن عمر العُمَري: وروايته عند عبد الرزاق (5243) وأحمد (/401).
3 - محمد بن إسحاق: وروايته عند أحمد (2/ 397، 528) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2878).
تنبيه: أورد الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (9/ 323 رقم 12267) حديث أبي هريرة هذا، وعزاه لـ «الصحيحين» بلفظ: «ما بين قبري ومنبري»، فرجعت إلى النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (3/ 23 - ط دار طوق النجاة) فوجدت في حاشية النسخة ما يبين أن هذه الرواية هي لفظ رواية ابن عساكر فقط، فرجعت إلى «فتح الباري» (4/ 100) فإذا بالحافظ يقول: ووقع في رواية ابن عساكر وحده: «قبري»، بدل: «بيتي»، وهو خطأ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد، بلفظ: «بيتي»، وكذلك هو في «مسند مُسدَّد» شيخ البخاري فيه.
قلت: ومما يبين بطلان رواية من رواه بلفظ: «ما بين قبري ومنبري»: ما قاله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص 141): والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة»، هذا هو الثابت الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى، فقال: «قبري»! وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا لم يكن قد قُبر بعدُ صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتج بهذا أحدٌ من الصحابة لما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم؛ لكان هذا نصًّا في محل النزاع، ولكن دُفن في حجرة عائشة، في الموضع الذي مات فيه.
(¬1) قال ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 180): هذا حديث كذب، موضوع، منكر، وضَعَه عبد الملك هذا، والصحيح فيه: ما في «الموطأ» عن عبد الله بن زيد المازني: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري رَوضةٌ من رياض الجنَّة».
قلت: حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- هذا: أخرجه مالك (1/ 273) في الصلاة، باب ما جاء في مسجد النبيِّ، والبخاري (3/ 70 رقم 1195) في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، ومسلم (2/ 1010 رقم 1390) في الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.
وأما أثر ابن عمرَ -رضي الله عنهما- في إحفاء الشَّارب، فله طريق أجودُ من هذه: ذَكَرها البخاري في «صحيحه» (10/ 334 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وكان ابن عمر يَحفي شاربَه، حتى ينظرَ إلى بياض الجلد، ويأخذ هذين. يعني بين الشَّارب واللحية. ووَصَله الأثرم، كما في «تغليق التعليق» (5/ 72) عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عَوَانة، عن عمرَ بن أبي سَلَمة، عن أبيه قال: رأيتُ ابن عمر يَحفي شاربَه، حتى لا يتركُ منه شيئًا.
وهذا إسناد صحيح.

الصفحة 531