كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

ورجح قوله - عليه السلام -: "ما أخرجت الأرض ففيه العشر" (¬1) على الخاص الوارد بقوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" (¬2) ونسخ الخاص بالعام أيضًا كما فعله في بول ما يؤكل لحمه فإنه جعل الخاص من حديث العرنيين (¬3) فيه منسوخا بالعام وهو قوله - عليه السلام -: "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" (¬4).
قلت: "فالتخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأي"، إنما يكون إذا كان الحديث المخصّص غير مخالف للإجماع، وحديث القلتيين خبر آحاد ورد مخالفا لإجماع الصحابة فَيُرَدُّ.
بيانه: أن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهم - أفتيا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح الماء كله. ولم يظهر أثره في الماء وكان الماء أكثر من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليهما أحد منهم فكان إجماعا (¬5)، وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يُردُّ، يدل عليه أن علي بن المديني قال: لا يثبت هذا الحديث عن النبي - عليه السلام - وكفى به قدوة في هذا الباب، وقال أبو داود: لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن
¬__________
= قال الحافظ ابن حجر في "الدراية" (2/ 245): لم أجده هكذا.
وقال الزيلعي في "نصب الراية" (4/ 292): قلت غريب.
وقال ابن حزم في "المحلى" (8/ 239): ولا أعلم لأبي حنيفة سلفًا في قوله في بئر الناضح.
(¬1) ذكره الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 384) وقال: غريب بهذا اللفظ، وبمعناه ما أخرجه البخاري، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول ال - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر".
(¬2) أخرجه البخاري (2/ 529 رقم 1390)، ومسلم (2/ 673 رقم 979) كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(¬3) أخرجه البخاري (1/ 92 رقم 231)، ومسلم (3/ 1296 رقم 1671) كلاهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(¬4) أخرجه الدارقطني (1/ 128 رقم 7) من حديث أبي هريرة، وقال: الصواب مرسل، وأخرجه (1/ 127 رقم 2) من حديث أنس، وقال أيضًا: المحفوظ مرسل.
(¬5) راجع له "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (1/ 111)، و"المحلى" لابن حزم (11/ 363)، و"سنن البيهقي الكبري" (1/ 268).

الصفحة 101