كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

فإن قلت: قد أخرج ابن عدي (¬1) من جهة المغيرة بن سقلاب، عن محمَّد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء" وذكر أنهما فرقان.
قلت: الحديث معلول بالمغيرة؛ لأن ابن عدي ضعفه، وقال ابن حبان: غلب على حديثه المناكير فاستحق الترك.
فإن قلت: ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه: أنه صالح، وعن أبي زرعة: جزري لا بأس به.
قلت: إنْ سلمنا ذلك فالحديث يقتضي أن تكون القلتان اثنين وثلاثين رطلا، وهذا لا يقول به هؤلاء القوم.
ص: فإن قلتم: إنَّ الخبر عندنا على ظاهره والقلال عندنا هي قلال الحجاز المعروفة، قيل لكم: فإن كان الخبر على ظاهره كما ذكرتم فإنه ينبغي أن يكون الماء إذا بلغ ذلك المقدار لا تضره النجاسة وإنْ غيرت لونه أو طعمه أو ريحه؛ لأن النبي - عليه السلام - لم يذكر ذلك في هذا الحديث؛ فالحديث على ظاهره.
ش: السؤال ظاهر، وتحرير الجواب أن يقال لهم: إنْ كان الحديث على ظاهره يقتضي ما ذكرتم؛ كان ينبغي أن الماء إذا بلغ القلتين لا تضره النجاسة وإنْ غيرت وصفا من أوصافه، فحين شرطتم عدم التغير دلّ أنكم لم تعملوا بظاهر الحديث؛ لأنه - عليه السلام - لم يذكر هذا الشرط في الحديث فلم تكونوا عاملين به.
فإن قالوا: عملنا به ولكن شرطنا عدم التغير بحديث أبي أمامة الباهلي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "لا ينجس الماء شيء إلَّا ما غيّر ريحه أو طعمه" رواه الطبراني في "الأوسط" (¬2) و"الكبير" (¬3).
¬__________
(¬1) "الكامل" لابن عدي (6/ 359).
(¬2) "المعجم الأوسط" (1/ 226 رقم 744).
(¬3) "المعجم الكبير" (8/ 104 رقم 7503).

الصفحة 125