كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

أبو شرحبيل، ثنا مروان بن محمَّد، ثنا رشدين بن سعد، ثنا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن ثوبان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور إلَّا ما غلب على ريحه أو على طعمه".
قلت: قد اختلف أصحاب الحديث في منقطع من وجه متصل من وجه آخر، فمنهم من قال: سقط اعتبار الاتصال فيه بالانقطاع من وجه، والأكثرون على أنه حجة (¬1)، ولكن الحديث معلول برشدين بن سعد على ما ذكرناه عن قريب.
ص: فإن كنتم قد جعلتم قوله في القلتين على خاص من القلال، جاز لغيركم أن يجعل الماء على خاص من المياه، فيكون ذلك عنده على ما يوافق معاني الآثار الأول ولا يخالفها، فإذا كانت الآثار الأول التي قد جاءت في البول في الماء الراكد، وفي نجاسة الماء الذي في الإناء من ولوغ الهرّ فيه عامّا لم يذكر مقداره، وجعل على كل ما لا يجري؛ ثبت بذلك أن ما في حديث القلتين هو على الماء الذي لا يجري، ولا نظر في ذلك إلى مقدار الماء، كما لم يُنْظَرْ في شيء مما ذكرنا إلى مقداره؛ حتى لا يتضادّ شيء من الآثار المروية في هذا الباب.
ش: تحريره: أنهم إذا قالوا: نحن نخص القلتين بما هو المعروف عند أهل الحجاز فلا يبقى حينئذ احتمال فتقوم الحجة، فنحن نعارضهم بأن نخص الماء المذكور في حديث القلتين بأن نحمله على الماء الراكد، وهو أعم من أن يكون على الأرض أو في الإناء ليوافق معناه معاني الآثار التي وردت في البول في الماء الراكد، وفي نجاسة الماء الذي في الإناء من ولوغ الكلب أو الهرة، ولم يذكر في هذه الآثار مقدار معين، بل جعل على كل ما لا يجري فكذلك يحمل ما في حديث القلتين على الماء الذي لا يجري من غير نظر إلى مقداره كما في الآثار المذكورة؛ لئلَّا يقع التضاد والتنافي بين حديث القلتين والآثار المذكورة.
¬__________
(¬1) والحق أن العبرة بمن روى هذا أو ذاك، فإن كان الذي رواه موصولًا أوثق أو أتقن فالحكم للوصل، وإن كان الذي رواه منقطعًا أوثق أو أتقن كان الحكم للقطع، وكذا يحكم للأكثر إن كان الرواة ثقات وأكثر من واحد.

الصفحة 127