كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

ص: حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حماد ابن. أبي سليمان: "أنه قال في دجاجة وقعت في بئر فماتت قال: ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين، ثم يتوضأ منها".
ش: هذا أيضًا إسناد صحيح.
ص: فهذا من روينا عنه من أصحاب رسول ال - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم، قد جعلوا مياه الآبار نجسة بوقوع النجاسات فيها ولم يراعوا كثرتها ولا قلتها، وراعوا دوامها وركودها، وفرقوا بينها وبين ما يجري مما سواهما، فإلي هذه الآثار مع ما تقدمها مما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب أصحابنا في النجاسات التي تقع في الآبار، ولم يجز لهم أن يخالفوها؛ لأنه لم يرو عن أحد خلافها.
ش: أشار بهذا الكلام إلى أن هذه الآثار كلها دالة على أن الماء الدائم الذي لا يجري إذا وقعت فيه نجاسة فإنه يتنجس، سواء بلغ القلتين أو لم يبلغ أو زاد عليهما، ألا ترى أنهم لم يراعوا -لما حَكموا- النظر في كثرة الماء ولا في قلته، بل راعوا دوامه وعدم جريانه؛ فلذلك فرقوا بين الجاري وغيره، فهذا أدل دليل على أن المراد من قوله: "لم يحمل الخبث" في حديث القلتين لا يحتمله لضعفه، إذ لو كان المراد لم ينجس بملاصقة النجاسة -كما فسره الخصم- لكان ينقل عنهم في هذه الآثار ما يدل على هذا المعنى.
فإن قيل: قد جاء مصرحا في رواية أبي داود وغيره (¬1): "لم ينجس" فهذا ينافي تفسيركم.
قلت: نلتزم هذا المعنى إذا عرفنا معنى القلتين، فلما كان معنى القلتين مشتركا لم يرجح منه معني مقصود صار محتملا، والمحتمل لا يصلح حجة، فتركنا العمل به وعملنا بالأحاديث الصحيحة التي وردت بالنهي عن البول في الماء الدائم، وبالآثار المروية [عن] (¬2) الصحابة والتابعين في هذا الباب
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) في "الأصل، ك": "من".

الصفحة 139