كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

واحتج به جماعة المهاجرين على وجوب الغسل بالإيلاج وإن لم يُنزل، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم، وهم الذين ذكرناهم، ثم انعقد الإجماع على الوجوب مطلقا، وكان ما ذكروه في أى الإسلام رخصة لقلة ثياب الناس، ثم نسخ ذلك وأمر بالغسل بالإكسال، ولكن بقي على المذهب الأول جماعة من الصحابة؛ لم يبلغهم خبر التقاء الختانين، منهم: سعد بن أبي وقاص، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وزيد ابن خالد الجهني.
وقد خالف بعض الظاهرية لداود ووافق الجماعة.
ومستند داود: "إنما الماء من الماء" (¬1).
وقد جاء في الحديث: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أى الإسلام ثم نسخ" (¬2). رواه الترمذي (¬3) وصححه، فزال ما استندوا إليه.
وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه ليس منسوخ، بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم يُنزل.
وقال ابن العربي: وقد روى جماعة من الصحابة المنع ثم رجعوا، حتى روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "مَنْ خالف في ذلك جعلته نكالا"، وانعقد الإجماع على ذلك، ولا يُعبأ بخلاف داود في ذلك؛ فإنه لولا خلافه ما عرف، وإنما الأمر الصعب خلاف البخاري في ذلك، وحكمه بأن الغسل أحوط، وهو أحد حكماء الدين، والعجب منه أنه يُساوي بين حديث عائشة في وجوب الغسل بإلتقاء الختانين، وبين حديث عثمان وأبي في نفيه إلَّا بإنزال، وحديث عثمان ضعيف وكذلك حديث أُبَيّ؛ لأنه قد صح رجوعه عما روى لما سمع وعلم ما كان أقوى منه، وقد
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) "جامع الترمذي" (1/ 183 رقم 110).
(¬3) كذا في "الأصل، ك" وهو من كلام الترمذي بعد الحديث، ولفظ الحديث: "ثم نهى عنها" راجع "جامع الترمذي".

الصفحة 484