كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنجسوا موتاكم؛ فإن المسلم ليس بنجس حيّا ولا ميِّتّا" قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
فإن قلت: على هذا ينبغي ألَّا يغسل الميت؛ لأنه طاهر.
قلت: اختلف علماؤنا في وجوب غسله، فقيل: إنما وجب لحدثٍ يحله باسترخاء المفاصل لا لنجاسته؛ فإن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة، إذ لو تنجس لما طهر بالغسل كسائر الحيوانات وكان الواجب اقتصار الغسل على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة، لكن ذلك إنما كان نفيا للحرج فيما يتكرر كل يوم والحدث بسبب الموت لا يتكرر، فكان كالجنابة لا يكتفي فيها بغسل الأعضاء الأربعة بل يبقى على الأصل وهو وجوب غسل البدن لعدم الحرج فكذا هذا.
وقال العراقيون: يجب غسله لنجاسته بالموت لا بسبب الحدث؛ لأن للآدمي دمًا سائلا فيتنجس بالموت قياسا على غيره، ألا ترى أنه لو مات في البئر نجّسها ولو حمله المصلي لم تجز صلاته، ولو لم يكن نجسا لجازت كما لو حمل محدثا. هذا حكم المسلم، وأما حكم الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة كحكم المسلم عند الجمهور خلافا لقوم.
- ومنها: جواز تأخير الغسل عن الجنابة بمقدار ما لا يفوته الفرض فيه؛ لأنه - عليه السلام - ما أنكر عليه ذلك حين قال: إني جنب.
- واستحباب احترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيئات وأحسن الصفات.
- وأن العالم إذا رأى من تابعه في أمر يخافُ عليه فيه خلافَ الصواب، سأله عنه وبيّن له الصواب وحكمه.
ص: وقال - صلى الله عليه وسلم - في غير هذا الحديث: "إنَّ الأرض لا تنجس".
ش: ذكر هذا تأييدا لتأويله الثاني في قوله - عليه السلام -: "إنَّ الماء لا ينجس".

الصفحة 78