كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

ومعني قوله: "إنما أنجاس الناس على أنفسهم" أي أنجاسهم منحصرة عليهم لا تعدو إلى غيرهم، وكان قدوم وفد ثقيف على رسول الله - عليه السلام - في رمضان سنة تسع من الهجرة وكانوا بضعة عشر رجلًا منهم كنانة بن عبد ياليل وهو رئيسهم، وفيهم عثمان بن أبي العاص وهو أصغر الوفد.
قوله: "ألَّا يحشروا ولا يعشروا" أي لا يندبون إلى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث، وقيل: لا يحشرون إلى عامل الزكاة ليأخذ صدقة أموالهم بل يأخذها في أماكنهم.
قوله: "ولا يجبّوا" من التجبية -بالجيم- وهو أن يقوم الإنسان قيام الراكع، وقيل: هو أن يضع يديه على ركبتيه وهو قائم، وقيل: هو السجود، والمراد من قولهم: "لا يجبوا" أنهم لا يصلون، ولفظ الحديث يدل على الركوع لقوله: في جوابهم "لا خير في دين ليس فيه ركوع" فسمى الصلاة ركوعا لأنه بعضها.
ومن فوائده: جواز دخول الكافر المسجد، وهو حجة على مالك في منعه عن ذلك، واستحباب إكرام الوفد والرسل القادمين وتهيئة نزلهم والنظر في أمرهم، وعدم نجاسة الأرض بدون إصابة النجاسة الحقيقية.
ص: فلم يكن معنى قوله - عليه السلام -: "المسلم لا ينجس" يريد بذلك أن بدنه لا ينجس وإنْ أصابته النجاسة وإنما أراد أنه لا ينجس بمعنى غير ذلك، وكذلك قوله: "الأرض لا تنجس" ليس يعني بذلك أنَّهَا لا تنجس وإنْ أصابتها النجاسة، وكيف يكون ذلك وقد أمر بالمكان الذي بال فيه الأعرابي من المسجد أن يصب عليه ذنوب من ماء!
ش: "ليس يعني" أي ليس يقصد، من عَني يَعْني عَنْيا، وأما عَنَا يَعْنُو عُنوا فمعناه خضع وذل، وعَنِيَ يعني -من باب عَلِمَ يَعْلَمُ- عَنَاءً إذا تعب، والضمير فيه يرجع إلى النبي - عليه السلام - والواو في "وقد كان" للحال.

الصفحة 81