كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

وما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (¬1): عن ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس قال: "بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه، فقال النبي - عليه السلام -: احفروا مكانه واطرحوا عليه دلوا من ماء، علّموا ويسّروا ولا تعسروا".
والقياس أيضًا يقتضي هذا الحكم لأن الغسالة نجسة فلا تطهر الأرض ما لم تحفر وينقل التراب.
فإنيْ قيل: قد استدللتم بالأثرين الأول مرفوع ضعيف؛ لأن سمعان بن مالك ليس بالقوي، وقال ابن خراش: "مجهول". والثاني مرسل وتركتم الحديث الصحيح!
قلت: لا نسلم ذلك فإنا قد عملنا بالكل فعملنا بالصحيح فيما إذا كانت الأرض صلبة، وعملنا بالضعيف على زعمكم فيما إذا كانت الأرض رخوة، والعمل بالكل أولى من العمل بالبعض والإهمال للبعض.
فإن قلت: كيف تحملون الأرض فيه على الصلبة وقد ورد الأمر بالحفر فدل على أنَّهَا كانت رخوة؟!
قلت: محتمل أن تكون قضيتين، في الأولي كانت الأرض صلبة، وفي الأخرى كانت رخوة.
الثاني: استدل به بعض الشافعية على أن الماء متعين في إزالة النجاسة ومنعوا غيره من المائعات المزيلة، وهذا استدلال فاسد؛ لأن ذكر الماء هَا هنا لا يدل على نفي غيره؛ لأن الواجب هو الإزالة، والماء مزيل بطبعه، فيقاس عليه كل ما كان مزيلا؛ لوجود الجامع، على أن هذا الاستدلال يشبه مفهوم مخالفة وهو ليس بحجة.
الثالث: استدلت به جماعة من الشافعية وغيرهم أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة وذلك لأن الماء المصبوب لا بد أن يتدافع عند وقوعه على الأرض ويصل إلى محل لم يصبه البول مما يجاوره، فلولا أن الغسالة طاهرة لكان الصب ناشرا
¬__________
(¬1) "مصنف عبد الرزاق" (1/ 424 رقم 1659).

الصفحة 86