كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

للنجاسة وذلك خلاف مقصود التطهير وسواء أكانت النجاسة على الأرض أم غيرها لكن الحنابلة فرقوا بين الأرض وغيرها ويقال إنَّه رواية واحدة عند الشافعية إنْ كانت الأرض، وإنْ كان غيرها فوجهان.
قلت: روي عن أبي حنيفة أنَّهَا بعد صب الماء عليها لا تطهر حتى تدلك وتشعر بصوف أوخرقة وفُعِلَ ذلك ثلاث مرات، وإنْ لم يفعل ذلك لكن صب عليها ماء كثيرا حتى عرف أنه أزال النجاسة ولم يوجد فيه لون ولا ريح، ثم ترك حتى نشفت كانت طاهرة.
الرابع: استدل به بعض الشافعية أن العصر في الثوب المغسول من النجاسة لا يجب، وهذا استدلال فاسد وقياس بالفارق؛ لأن الثوب ينعصر بالعصر بخلاف الأرض.
الخامس: استدل به البعض أن الأرض إذا أصابتها نجاسة فجفت بالشمس أو بالهواء لا تطهر، وهو محكي عن أبي قلابة أيضًا، وهذا أيضًا فاسد؛ لأن ذكر الماء في الحديث لوجوب المبادرة إلي تطهير المسجد، وتركه إلى الجفاف تأخير لهذا الواجب، وإذا تردد الحال بين الأمرين لا يكون دليلًا على أحدهما بعينه.
السادس: فيه دليل على وجوب صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والنجاسات، ألا ترى إلى قوله: - عليه السلام -: "إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والعذرة".
السابع: فيه دليل على أن المساجد لا يجوز فيها إلَّا ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، فقوله: "وإنما هي لذكر الله" من قصر الموصوف على الصفة، ولفظ الذكر عام يتناول قراءة القرآن وقراءة العلم ووعظ الناس، والصلاة أيضًا عام يتناول المكتوبة والنافلة، ولكن النافلة في المنزل أفضل، ثم غير هذه الأشياء ككلام الدنيا والضحك واللبث فيه بغير نية الاعتكاف مشتغلًا بأمر من أمور الدنيا ينبغي ألا يباح، وهو قول بعض الشافعية، والصحيح أن الجلوس فيه لعبادة أو قراءة علم أو درس أو سماع موعظة أو

الصفحة 87