كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)

واستنبط من الحديث المذكور أحكام:
الأول: احتج به أصحابنا أن الماء الذي لا يبلغ الغدير العظيم إذا وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به؛ قليلًا كان أو كثيرا.
وعلي أن القلتين تحمل النجاسة لأن الحديث مطلق؛ فبإطلاقه يتناول الماء القليل والكثير والقلتين والأكثر، ولو قلنا: إن القلتين لا تحمل النجاسة لم يكن للنهي فائدة؛ على أن هذا أصح من حديث القلتين لما يأتي بيانه إنْ شاء الله تعالى ومذهب مالك أن الماء القليل لا يتنجس إلَّا بتغير أحد أوصافه، لقوله: - عليه السلام -: "الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬1) ومذهب الشافعي وأحمد أن الماء إذا كان قلتين لا يتنجس إلَّا بالتغير لحديث القلتين، والجواب أن حديث مالك ورد في بئر بضاعة وماؤها كان جاريا كما قد قررناه، وحديث الشافعي ضعيف من جهة كونه مضطربا سندا ومتنا على ما يجيء بيانه أو مؤُوَّل على ما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.
فإن قلت: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فلا يجوز تخصيصه ببئر بضاعة.
قلت: قد خُصَّ بدليل يساويه وهو حديث هذا الباب.
وقال ابن قدامة في "المغني" (¬2): ما دون القلتين إذا لاقته النجاسة فلم يتغير بها فالمشهور في المذهب أنه ينجس، وروي ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد، ورُوي عن أحمد أن الماء لا ينجس إلَّا بالتغيير قليله وكثيره، وروي مثل ذلك عن حذيفة وأبي هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - قالوا: "الماء لا ينجس" ورُوي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وابن أبي ليلي ومالك والأوزاعي ويحيي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن المنذر، وهو قول للشافعي. ثم قال:
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) "المغني" (1/ 31).

الصفحة 99