المتقدمة أن الطاعات داخلة في مسمى الإيمان، وأبعاضٌ له، توقع أن يقال: لو كان كذلك؛ لكانت المعاصي أبعاضًا للكفر، ولكان العاصي كافرًا كفرًا ناقصًا، فقرر أن المعاصي تدخل في مسمى الجاهلية، والجاهلية (¬1) كانت كفرًا، ولهذا يقال لمن خالف بعض المخالفة: فيك جاهلية، وكأن إطلاق الكفر على الإيمان (¬2)، إنما منعه الله فضلًا منه؛ لأن رحمته سبقت غضبه، فوسَّع في (¬3) باب الرحمة، وفسح في إطلاق الإيمان على الطاعات، ولم يفسح في باب الغضب، فلم يأذن في إطلاق الكفر على المعاصي، وإن كانت شُعبًا له، وعلاماتٍ (¬4) عليه، ويخشى منه التدرُّع إليه (¬5).
قلت: فيه نظر؛ فقد سمَّى الشارع آثارَ الكفر كفرًا، كما سمى آثار التصديق إيمانًا: "مَنْ رَغِبَ عَنْ أَبيهِ فَقَدْ كَفَرَ" (¬6)، "اثْنَانِ في النَّاسِ هُمْ (¬7) بهِمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَب، وَالنِّيَاحَةُ" (¬8)، "أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ" (¬9)، "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (¬10).
¬__________
(¬1) "والجاهلية" ليست في "ج".
(¬2) في "ن" و"ع": "المؤمن".
(¬3) "في" ليست في "ج".
(¬4) "وعلامات" غير واضحة في "ج".
(¬5) في "ج": "عليه".
(¬6) رواه البخاري (6386)، ومسلم (62) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(¬7) في "ن": "هما".
(¬8) رواه مسلم (67) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(¬9) رواه مسلم (68) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(¬10) رواه البخاري (6166)، ومسلم (66) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.