كتاب مصابيح الجامع (اسم الجزء: 1)

باب: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]، فَبَدَأَ بالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبيَاءِ -وَرَّثُوا الْعِلْمَ- مَنْ أَخَذَهُ، أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بالتَّعَلُّمِ". وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ-، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]: حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبي النَّاسَ بصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.

(باب: العلم قبل القول والعمل):
قال ابن المنير: ترجم (¬1) على مكانة العلم؛ لئلا يسبق إلى الذهن من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل الصحيح (¬2) في طلب العلم، فأراد البخاري: أن العلم شرط في القول، وفي العمل (¬3)، لا يعتبران إلا به، وهو متقدم عليهما، وواجب قبلهما؛ لأنه مصحح للنيةِ (¬4) المصححةِ للعمل.
¬__________
(¬1) في "ن" و"ع" زيادة: "البخاري".
(¬2) في "م": "التضجيع"، والمثبت من النسخ الأخرى.
(¬3) في "م" و "ج": "العلم"، والمثبت من "ن" و"ع".
(¬4) في جميع النسخ عدا "ع": "النية".

الصفحة 190