كتاب الذخائر والعبقريات (اسم الجزء: 1)

لنا جانِبٌ منه دَمِيثٌ وجانبٌ ... إذا رَامَهُ الأعداءُ مُمْتَنِعٌ صَعْبُ
وتأخُذُهُ عند المكارم هِزّةٌ ... كما اهْتَزَّ تحْتَ البارِحِ الغُصُنُ الرَّطْبُ
قوله ليسَ في بِرِّه عَتْبُ: يريد ليس في بره لَومٌ ولا سخط، وقوله: إذا كان أولاد الرجال حزازة، فالحزازة: وجع في القلب من غيظٍ ونحوه والجمع حزازات، وتروى: إذا كان أولاد الرجال مرارةً، وهي الأنسبُ بقوله فأنت الحلال الحُلو، يكنى به عن الرجل الذي لا ريبة فيه، على المَثَل بالحُلو الحلال مما يُذاق، يصف طيب أخلاقه، وقوله: دميث: أي سهل ليّن، والبارح: الريح تهب من الشمال في الصيف خاصة.
وقال عمرو بن شأس - وهو شاعر فارس شهد مع سيدنا رسول الله الحديبيةَ وكانت امرأته تُؤذي ابنَه عِراراً - وكان من أمة سوداءَ - تعيِّره بالسواد وتشتمُه، فلما أعيَتْ أباه عمراً أنشأ كلمة عدتها عشرون بيتاً اختار منها أبو تمام هذه الأبيات:
أرادَتْ عِرَاراً بالهَوَانِ ومَنْ يُرِدْ ... عِرَاراً لَعَمْري بالهَوانِ فقد ظَلَمْ
فإنْ كنتِ منِّي أو تُريدينَ صُحْبتي ... فكوني له كالسَّمْنِ رُبَّ له الأدَمْ
وإنْ كُنْتِ تَهْوينَ الفِرَاقَ ظَعِينتي ... فكوني له كالذِّئْبِ ضاعَت له الغَنَمْ
وإلاَّ فَسِيري مِثلَ ما سار راكبٌ ... تجشَّمَ خِمْساً ليس في سَيْرِهِ يَتَمْ
وإنَّ عِراراً إن يكُنْ ذا شَكِيمَةٍ ... تُقاسِينَها مِنه فما أمْلِكُ الشِّيَمْ
وإنَّ عِراراً إنْ يكنْ غيرَ واضحٍ ... فإني أحِبُّ الجوْنَ ذا المَنْكِبِ العَمَمْ
قوله: فإن كنت مني: نقل الكلام من الإخبار إلى الخطاب ومعنى فإن كنت مني: فإن كنت توافقينني، من قولهم فلان منّا. أي: يوافقنا. وقال المرصفي: معناه: فإن كنت مثل نفسي سيدة، وقوله أو تريدين صحبتي: أي أو تكونين مثل غيرك في المعيشة لا حظَّ

الصفحة 34