كتاب الذخائر والعبقريات (اسم الجزء: 1)

أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بزَّ القائلين، وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جد الجدُّ فهو الليث عادياًً، وكان لا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مراءٍ، ولا يدلي بحجة، حتى يرى قاضياً فهماً وشهوداً عدولاً، وكان لا يلوم أحداً فيما يكون العذر في مثله حتى يعلم ما عذره، وكان لا يشكو وجعه إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحباً إلا أن يرجو منه النصيحة وكان لا يتبرم ولا يتسخط، ولا يتشكى ولا يتشهى، ولا ينتقم من العدو ولا يغفل عن الولي، ولا يخص نفسه بشيء دون إخوانه، من اهتمامه وحيلته وقوته. . . فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها، ولن تطيق، ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع. . . قوله كان لي أخ إلخ. فليس يعني أخاً بعينه ولكن هذا كلام خارج مخرج المثل، وعادة العرب جارية بذلك مثل قولهم في الشعر: فقلت لصاحبي، ويا صاحبيّ: وقوله: فلا يتشهى ما لا يجد، فإن ذلك لعمري من سقوط المروءة. قال الأحنف بن قيس: جنِّبوا مجالسنا ذكر تشهِّي الأطعمة وحديث النكاح، ومن طرف الجاحظ ما رواه عن نفسه: جلسنا في دار فجعلنا نتشهى الأطعمة، فقال واحد: أنا أشتهي سكباجة كثيرة الزعفران، وقال آخر: وأنا أشتهي هريسة كثيرة الدارصيني. . . وإلى جانبنا امرأة بيننا وبينها بئر الدار، فضربت الحائط وقالت: أنا حامل، فأعطوني ملء هذه الغضارة - الصحفة - من طبيخكم، فقال ثمامة بن الأشرس: جارتنا هذه تشم رائحة الأماني! وقوله: وكان ضعيفاً مستضعفاً: يريد: لَيِّن الجانب. موطَّأ الأكناف. . . وقرع رجل باب بعض الخيرين من السلف، في ليل، فقال لجاريته: أبصري من القارع، فأتت الباب فقالت: من ذا؟ قال أنا صديق مولاك، فقال الرجل: قولي له: والله إنك لصديق؟ فقالت له ذلك، فقال:

الصفحة 9