كتاب جامع الصحيحين لابن الحداد (اسم الجزء: 1)

قد فصل في الحديث الذي سقناه من رواية عاصم عن أنس، فقال: قد كان القنوت قبل الركوع، فأثبته.
وإنما كان القنوت بعد الركوع شهرا، وما الذي يفر الجدل عن أن يلتزم القنوت، إما قبله أو بعده، وقد جعلهما اثنين، فإن قالوا: فهلا تجعلونه قبل الركوع على ما تروونه؟ قلنا لهم: كنا نجعله قبل الركوع لو لم يفت بذلك دفعتين، فقال: بعد الركوع يسيرا.
وجائز أن يكون فعل ذلك صلى الله عليه وسلم مرة، ثم تحول إلى ما بعد الركوع، فأفتى لما استفتي بما عليه الأمر، والفتوى كيف، والصحابة كلهم وافقوه في روايتهم القصة بعد الركوع؟ وهلم جرا أهل المدينة الذين هم جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك قرنا بعد قرن، وعصرا بعد عصر إلى يومنا هذا، فظهر لكل أثر برأسه على حدة حكمه، وتبين تأويله ومعناه، ولا عذر بحال لمن ترك القنوت بعد الركوع يسيرا؛ لقول أنس وفتواه بذلك غير مرة واحدة، وإنه أعلم، فليعمل عليه المتدين، وأما ما يقرأ فيه من دعاء مأثور فليس في الكتابين ذكر ذلك إلا أن يستنبط عالم ما يقرأه فيه من غيرهما.

الصفحة 425