-ولم تكن موضعه- فعل أمرين؛ أهمل رعاية نفسه في غير مرعاها، فضيعها، وتعدى بالتصرف في حق لم يكن له، ففات بحظ غيره، فأهمله وضيعه.
اعتبر هذا بقصة آدم عليه السلام؛ إذ قال له ربه عز وجل: {اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}، أباحها له لرعاية نفسه عيشا رغدا ناعما طيبا، لا كلفة له فيه ولا مشقة، وقال: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى}، فلما أن خالف أمر خالقه ورازقه تعدى بإشقاء نفسه إلى شقاء غيره، وبيان ذلك في حديث موسى -عليه السلام- حين التقى هو وآدم، فقال: ((أشقيت ذريتك، وأخرجتهم بخطيئتك)).
وقد توجب على كل نفس ما توجب على آدم، مما ذكرناه من المعرفة واتباع الأمر وطاعة الرسول ومراعاة البدن؛ لئلا يفوت عليه حظه، فصار البيان هاهنا عن خمسة أشياء: معرفة الله حقيقة، واستنهاج كتابه المنزل منهاجا وطريقة، والتزام دين رسوله صلى الله عليه وسلم شريعة، وطاعة الإمام العادل فريضة، وحماية البدن عما لا يوافقه استفادة لصحة الأبد في دار لا يمرض ساكنوها، والمؤمنون كلهم كنفس واحدة؛ فمن رعاها فكأنما رعى النفوس كلها، قال الله تعالى: {ومن أحياها فكأنما #59# أحيا الناس جميعا}، وهذا كله ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث تميم الداري.