كتاب جامع الصحيحين لابن الحداد (اسم الجزء: 1)

إذ سبرا من هذا الأمر ما لم يسبر غيرهما، واستبكراه، فجليا للناس ما عرفاه، وألغيا ما استنكراه، وليس لغيرهما ما لهما من السبق في ذلك، سبق إليه البخاري، وصلى مسلم، ومن قال لك: إن مثلثا تلاهما، فلا تصدقه.
ولقد صدق القائل إذ قال ثناء على البخاري: [من البسيط]
المسلمون بخير ما بقيت لهم ... وليس بعدك خير حين تفتقد
ونهج على سمته، ونسج على منوال نعته، وتوفر على الأخذ منه مسلم، فكان يقول له: يا أستاذ الأستاذين، ويا طبيب المحدثين.
واغتاص في استخراج ما قد اغتاص عليه بطريق أسهل، وإن كان المنهج الأول أولى وأجمل، وكلاهما قد أنصف وما اعتسف، وإنما حمت حول رموز سيقف عليها من أراد أن يخوض فيها، فيعتام وينعم النظر في الحديث كل الإنعام.
وقالوا لي: إنهما كتابان مشحونان بكثرة الطرق، موشحان بفروع الأسانيد الواسعة، وربما كرر فيهما حديث واحد في مواضع عدة، لا سيما في كتاب البخاري، وقد يحار في ذلك الناظر الذي لا عهد له بهذا الشأن فلا يضبطه، خصوصا في حق من لم يعتد ممارسته.
فلم أكن أبت القول لهم في ضمان ذلك، إلى أن بدر يوما على لساني: سأفعل، فصرت رهين قولي، فلم أستجز الإخلال بوعدي،

الصفحة 8