كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

يتحققون أن وجه الدليل عين المدلول أو غيره
فنقول: كل مفردين جمعتهما القوة المفكرة ونسبت أحدهما إلى الآخر بنفي أو إثبات وعرضته على العقل لم يخل العقل فيه من أحد أمرين إما أن يصدق به أو يمتنع من التصديق فإن صدق فهو الأولى المعلوم بغير واسطة ويقال إنه معلوم بغير نظر ودليل وحيلة وتأمل وكل ذلك بمعنى واحد وإن لم يصدق فلا مطمع في التصديق إلا بواسطة وتلك الواسطة هي التي تنسب إلى الحكم فيكون خبرا عنها وتنسب إلى المحكوم عليه فتجعل خبرا عنه فيصدق فيلزم من ذلك بالضرورة التصديق بنسبة الحكم إلى المحكوم عليه
بيانه أنا إذا قلنا للعقل احكم على النبيذ بالحرام فيقول لا أدري ولم يصدق به فعلمنا أنه ليس يلتقي في الذهن طرفا هذه القضية وهو الحرام والنبيذ فلا بد أن يطلب واسطة ربما صدق العقل بوجودها في النبيذ وصدق بوجود وصف الحرام لتلك الواسطة فيلزمه التصديق بالمطلوب فيقال هل النبيذ مسكر فيقول نعم إذا كان قد علم ذلك بالتجربة فيقال وهل المسكر حرام فيقول نعم إذا كان قد حصل ذلك بالسماع وهو المدرك بالسمع قلنا فإن صدقت بهاتين المقدمتين لزمك التصديق بالثالث لا محالة وهو أن النبيذ حرام بالضرورة فيلزمه أن يصدق بذلك ويذعن للتصديق به
فإن قلت فهذه القضية ليست خارجة عن القضيتين وليست زائدة عليهما
فاعلم أن ما توهمت حق من وجه وغلط من وجه
أما الغلط فهو أن هذه قضية ثالثة لأن قولك النبيذ حرام غير قولك النبيذ مسكر وغير قولك المسكر حرام بل هذه ثلاث مقدمات مختلفات وليس فيها تكرير أصلا بل النتيجة اللازمة غير المقدمات الملتزمة وأما وجه كونه حقا فهو أن قولك المسكر حرام شمل بعمومه النبيد الذي هو أحد المسكرات فقولك النبيذ حرام ينطوي فيه لكن بالقوة

الصفحة 106