والجواب أنا لا ننكر اشتهار هذه القضايا بين الخلق وكونها محمودة مشهورة ولكن مستندها إما التدين بالشرائع وإما الأغراض ونحن إنما ننكر هذا في حق الله تعالى لانتفاء الأغراض عنه فأما إطلاق الناس هذه الألفاظ فيما يدور بينهم فيستمر من الأغراض ولكن قد تدق الأغراض وتخفى فلا يتنبه لها إلا المحققون
ونحن ننبه على مثارات الغلط فيه وهي ثلاث مثارات يغلط الوهم فيها
الغلطة الأولى : إن الإنسان يطلق اسم القبح على ما يخالف غرضه وإن كان يوافق غرض غيره من حيث إنه لا يلتفت إلى الغير فإن كل طبع مشغوف بنفسه ومستحقر لغيره فيقضي بالقبح مطلقا وربما يضيف القبح إلى ذات الشيء ويقول هو بنفسه قبيح فيكون قد قضى بثلاثة أمور هو مصيب في واحد منها وهو أصل الاستقباح ومخطىء في أمرين أحدهما إضافة القبح إلى ذاته إذ غفل عن كونه قبيحا لمخالفة غرضه والثاني حكمه بالقبح مطلقا ومنشؤه عدم الالتفات إلى غيره بل عدم الالتفات إلى بعض أحوال نفسه فإنه قد يستحسن في بعض الأحوال عين ما يستقبحه إذا اختلف الغرض
الغلطة الثانية : أن ما هو مخالف للغرض في جميع الأحوال إلا في حالة واحدة نادرة قد لا يلتفت الوهم إلى تلك الحالة النادرة بل لا يخطر بالبال فيراه مخالفا في كل الأحوال فيقضي بالقبح مطلقا لاستيلاء أحوال قبحه على قلبه وذهاب الحالة النادرة عن ذكره كحكمه على الكذب بأنه قبيح مطلقا وغفلته عن الكذب الذي تستفاد به عصمة دم نبي أو ولي وإذا قضى بالقبح مطلقا واستمر عليه مدة وتكرر ذلك على سمعه ولسانه انغرس في نفسه استقباح منفر فلو وقعت تلك الحالة النادرة وجد في نفسه نفرة عنه لطول نشوه على الاستقباح فإنه ألقي إليه منذ الصبا على سبيل التأديب والإرشاد أن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه أحد ولا ينبه على حسنه في