كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

على الصبر أو من ينتظر الثناء عليه بالشجاعة والصلابة في الدين وكم من شجاع يركب متن الخطر ويتهجم على عددهم أكثر منه وهو يعلم أنه لا يطيقهم ويستحقر ما يناله من الألم لما يعتاضه من توهم الثناء والحمد ولو بعد موته وكذلك إخفاء السر وحفظ العهد إنما تواصى الناس بهما لما فيهما من المصالح وأكثروا الثناء عليهما فمن يحتمل الضرر فيه فإنما يحتمله لأجل الثناء فإن فرض حيث لا ثناء فقد وجد مقرونا بالثناء فيبقى ميل الوهم إلى المقرون باللذيذ وإن كان خاليا عنه
فإن فرض من لا يستولي عليه هذا الوهم ولا ينتظر الثواب والثناء فهو مستقبح للسعي في هلاك نفسه بغير فائدة ويستحمق من يفعل ذاك قطعا فمن يسلم أن مثل هذا يؤثر الهلاك على الحياة ؟!
وعلى هذا يجري الجواب عن الكذب وعن جميع ما يفرضونه
ثم نقول: نحن لا ننكر أن أهل العادة يستقبح بعضهم من بعض الظلم والكذب وإنما الكلام في القبح والحسن بالإضافة إلى الله تعالى ومن قضى به فمستنده قياس الغائب على الشاهد وكيف يقيس والسيد لو ترك عبيده وإماءه وبعضهم يموج في بعض ويرتكبون الفواحش وهو مطلع عليهم وقادر على منعهم لقبح منه وقد فعل الله تعالى ذلك بعباده ولم يقبح منه وقولهم أنه تركهم لينزجروا بأنفسهم فيستحقوا الثواب هوس لأنه علم أنهم لا ينزجرون فليمنعهم قهرا فكم من ممنوع عن الفواحش بعنة أو عجز وذلك أحسن من تمكينهم مع العلم لأنهم لا ينزجرون

الصفحة 119