بدفع ضرر معلوم أو موهوم فمعنى الوجوب رجحان الفعل على الترك والموجب هو المرجح والله تعالى هو المرجح وهو الذي عرف رسوله وأمره أن يعرف الناس أن الكفر سم مهلك والمعصية داء والطاعة شفاء فالمرجح هو الله تعالى والرسول هو المخبر والمعجزة سبب يمكن العاقل من التوصل إلى معرفة الترجيح والعقل هو الآلة التي بها يعرف صدق المخبر عن الترجيح والطبع المجبول على التألم بالعذاب والتلذذ بالثواب هو الباعث المستحث على الحذر من الضرر وبعد ورود الخطاب حصل الإيجاب الذي هو الترجيح وبالتأييد بالمعجزة حصل الإمكان في حق العاقل الناظر إذ قدر به على معرفة الرجحان
فقوله: لا أنظر ما لم أعرف ولا أعرف ما لم أنظر مثاله ما لو قال الأب لولده التفت فإن وراءك سبعا عاديا هوذا يهجم عليك إن غفلت عنه فيقول لا ألتفت ما لم أعرف وجوب الإلتفات ولا يجب الإلتفات ما لم أعرف السبع ولا أعرف السبع ما لم ألتفت فيقول له لا جرم تهلك بترك الالتفات وأنت غير معذور لأنك قادر على الإلتفات وترك العناد فكذلك النبي يقول الموت وراءك ودونه الهوام المؤذية والعذاب الأليم إن تركت الإيمان والطاعة وتعرف ذلك بأدنى نظر في معجزتي فإن نظرت وأطعت نجوت وإن غفلت وأعرضت فالله تعالى غني عنك وعن عملك !وإنما أضررت بنفسك فهذا أمر معقول لا تناقض فيه
الجواب الثاني :المقابلة بمذهبهم فإنهم قضوا بأن العقل هو الموجب وليس يوجب بجوهره إيجابا ضروريا لا ينفك منه أحد إذ لو كان كذلك لم يخل عقل عاقل عن معرفة الوجوب بل لا بد من تأمل ونظر ولو لم ينظر لم يعرف وجوب النظر وإذا لم يعرف وجوب النظر فلا ينظر فيؤدي أيضا إلى الدور كما سبق فإن قيل العاقل لا يخلو عن خاطرين يخطران له أحدهما أنه إن نظر وشكر أثيب والثاني أنه إن ترك النظر عوقب فيلوك له على القرب وجوب سلوك طريق الأمن