كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

قلنا: كم من عاقل انقضى عليه الدهر ولم يخطر له هذا الخاطر بل قد يخطر له أنه لا يتميز في حق الله تعالى أحدهما عن الآخر فكيف أعذب نفسي بلا فائدة ترجع إلي ولا إلى المعبود؟
ثم إن كان عدم الخلو عن الخاطر كافيا في التمكين من المعرفة فإذا بعث النبي ودعا وأظهر المعجزة كان حضور هذه الخواطر أقرب بل لا ينفك عن هذا الخاطر بعد إنذار النبي وتحذيره ونحن لا ننكر أن الإنسان إذا استشعر المخافة استحثه طبعه على الاحتراز فإن الاستشعار إنما يكون بالتأمل الصادر عن العقل فإن سمى مسم معترف الوجوب موجبا فقد تجوز في الكلام بل الحق الذي لا مجاز فيه أن الله موجب أي مرجح للفعل على الترك والنبي مخبر والعقل معرف والطبع باعث والمعجزة ممكنة من التعريف والله تعالى أعلم
مسألة:[حكم الأفعال قبل ورود الشرع]
على الإباحة ذهب جماعة من المعتزلة إلى أن الأفعال قبل ورود الشرع على الإباحة وقال بعضهم على الحظر وقال بعضهم على الوقف ولعلهم أرادوا بذلك فيما لا يقضي العقل فيه بتحسين ولا تقبيح ضرورة أو نظرا كما فصلناه من مذهبهم.
وهذه المذاهب كلها باطلة.
[الرد على مذهب القائلين بأن الأصل الإباحة]
أما إبطال مذهب الإباحة فهو أنا نقول المباح يستدعي مبيحا كما يستدعي العلم والذكر ذاكرا وعالما والمبيح هو الله تعالى إذا خير بين الفعل والترك بخطابه فإذا لم يكن خطاب لم يكن تخيير فلم تكن إباحة
وإن عنوا بكونه مباحا أنه لا حرج في فعله ولا تركه فقد أصابوا في المعنى وأخطأوا في اللفظ فإن فعل البهيمة والصبي والمجنون لا يوصف بكونه مباحا وإن لم يكن في فعلهم وتركهم حرج والأفعال في حق الله تعالى أعني ما يصدر من الله لا توصف بأنها مباحة ولا حرج عليه في تركها لكنه انتفى التخيير من المخير انتفت الإباحة

الصفحة 123