كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فإن استجرأ مستجرىء على إطلاق اسم المباح على أفعال الله تعالى ولم يرد به إلا نفي الحرج فقد أصاب في المعنى وإن كان لفظه مستكرها
فإن قيل: العقل هو المبيح لأنه خير بين فعله وتركه إذ حرم القبيح وأوجب الحسن وخير فيما ليس بحسن ولا قبيح
قلنا: تحسين العقل وتقبيحه قد أبطلناه وهذا مبني عليه فيبطل ثم تسمية العقل مبيحا مجاز كتسميته موجبا فإن العقل يعرف الترجيح ويعرف انتفاء الترجيح ويكون معنى وجوبه رجحان فعله على تركه والعقل يعرف ذلك ومعنى كونه مباحا انتفاء الترجيح والعقل معرف لا مبيح فإنه ليس بمرجح ولا مسو لكنه معرف للرجحان والاستواء
ثم نقول: بم تنكرون على أصحاب الوقف إذا أنكروا استواء الفعل والترك وقالوا ما من فعل مما لا يحسنه العقل ولا يقبحه إلا ويجوز أن يرد الشرع بإيجابه فيدل على أنه متميز بوصف ذاتي لأجله يكون لطفا ناهيا عن الفحشاء داعيا إلى العبادة ولذلك أوجبه الله تعالى والعقل لا يستقل بدركه ويجوز أن يرد الشرع بتحريمه فيدل على أنه متميز بوصف ذاتي يدعو بسببه إلى الفحشاء لا يدركه العقل وقد استأثر الله بعلمه هذا مذهبهم
ثم يقولون: بم تنكرون على أصحاب الحظر إذ قالوا لا نسلم استواء الفعل وتركه فإن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح والله تعالى هو المالك ولم يأذن
فإن قيل: لو كان قبيحا لنهى عنه وورد السمع به فعدم ورود السمع دليل على انتفاء قبحه.
قلنا: لو كان حسنا لأذن فيه وورد السمع به فعدم ورود السمع به دليل على انتفاء حسنه.
فإن قيل إذا أعلمنا الله تعالى أنه نافع ولا ضرر فيه فقد أذن فيه
قلنا: فإعلام المالك إيانا أن طعامه نافع لا ضرر فيه ينبغي أن يكون أذنا .

الصفحة 124