كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فإن قيل: المالك منا يتضرر والله لا يتضرر فالتصرف في مخلوقاته بالإضافة إليه يجري مجرى التصرف في مرآة الإنسان بالنظر فيها وفي حائطه بالاستظلال به وفي سراجه بالاستضاءة به
قلنا: لو كان قبح التصرف في ملك الغير لتضرره لا لعدم أذنه لقبح وإن أذن إذا كان متضررا كيف ومنع المالك من المرآة والظل والاستضاءة بالسراج قبيح وقد منع الله عباده من جملة من المأكولات ولم يقبح فإن كان ذلك لضرر العبد فما من فعل إلا ويتصور أن يكون فيه ضرر خفي لا يدركه العقل ويرد التوقيف بالنهي عنه
ثم نقول: قولكم أنه إذا كان لا يتضرر الباري بتصرفنا فيباح فلم قلتم ذلك فإن نقل مرآة الغير من موضع إلى موضع وإن كان لا يتضرر به صاحبها يحرم وإنما يباح النظر لأن النظر ليس تصرفا في المرآة كما أن النظر إلى الله تعالى وإلى السماء ليس تصرفا في المنظور فيه ولا في الاستظلال تصرف في الحائط ولا في الاستضاءة تصرف في السراج فلو تصرف في نفس هذه الأشياء ربما يقضي بتحريمه إلا إذا دل السمع على جوازه
فإن قيل: خلق الله تعالى الطعوم فيها والذوق دليل على أنه أراد انتفاعنا بها فقد كان قادرا على خلقها عارية عن الطعوم
قلنا: الأشعرية وأكثر المعتزلة مطبقون على استحالة خلوها عن الأعراض التي هي قابلة لها فلا يستقيم ذلك وإن سلم فلعله خلقها لا لينتفع بها أحد بل خلق العالم بأسره لا لعلة أو لعله خلقها ليدرك ثواب اجتنابها مع

الصفحة 125