كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

ولهذا قال أبو حنيفة لا يجوز تأخير الحج لأن البقاء إلى سنة لا يغلب على الظن وأما تأخير الصوم والزكاة إلى شهر وشهرين فجائز لأنه لا يغلب على الظن الموت إلى تلك المدة
و الشافعي رحمة الله يرى البقاء إلى السنة الثانية غالبا على الظن في حق الشاب الصحيح دون الشيخ والمريض
ثم المعزر إذا فعل ما غالب ظنه السلامة فهلك ضمن لا لأنه آثم لكن لأنه أخطأ في ظنه والمخطىء ضامن غير آثم
مسألة: ما لا يتم الواجب إلا به
اختلفوا في أن ما لا يتم الوجب إلا به هل يوصف بالوجوب ؟
والتحقيق في هذا أن هذا ينقسم إلى ما ليس إلى المكلف كالقدرة على الفعل وكاليد في الكتابة وكالرجل في المشي فهذا لا يوصف بالوجوب بل عدمه يمنع الإيجاب إلا على مذهب من يجوز تكليف ما لا يطاق وكذلك تكليف حضور الإمام الجمعة وحضور تمام العدد فإنه ليس إليه فلا يوصف بالوجوب بل يسقط بتعذره الواجب
وأما ما يتعلق باختيار العبد فينقسم إلى الشرط الشرعي وإلى الحسي
فالشرعي كالطهارة في الصلاة يجب وصفها بالوجوب عند وجوب الصلاة فإن إيجاب الصلاة إيجاب لما يصير به الفعل صلاة
وأما الحسي فكالسعي إلى الجمعة وكالمشي إلى الحج وإلى مواضع المناسك فينبغي أن يوصف أيضا بالوجوب إذ أمر البعيد عن البيت بالحج أمر بالمشي إليه لا محالة وكذلك إذا وجب غسل الوجه ولم يمكن إلا بغسل جزء من الرأس وإذا وجب الصوم ولم يمكن إلا بالإمساك جزء من الليل قبل الصبح فيوصف ذلك بالوجوب
ونقول: ما لا يتصول إلى الواجب إلا به وهو فعل المكلف فهو واجب وهذا أولى من أن نقول يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب إذ قولنا يجب فعل ما ليس بواجب متناقض وقولنا ما ليس بواجب صار

الصفحة 138