مسألة: حقيقة الوجوب والجواز
الوجوب يباين الجواز والإباحة بحده فلذلك قلنا يقضي بخطأ من ظن أن الوجوب إذا نسخ بقي الجواز بل الحق أنه إذا نسخ رجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من تحريم أو إباحة وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن فإن قيل كل واجب فهو جائز وزيادة إذ الجائز ما لا عقاب على فعله والواجب أيضا لا عقاب على فعله وهو معنى الجواز فإذا نسخ الوجوب فكأنه أسقط العقاب على تركه فيبقى سقوط العقاب على فعله وهو معنى الجواز
قلنا :هذا كقول القائل: كل واجب فهو ندب وزيادة فإذا نسخ الوجوب بقي الندب ولا قائل به ولا فرق بين الكلامين وكلاهما وهم بل الواجب لا يتضمن معنى الجواز فإن حقيقة الجواز التخيير بين الفعل والترك والتساوي بينهما بتسوية الشرع وذلك منفي عن الواجب
وذكر هذه المسألة ههنا أولى من ذكرها في كتاب النسخ فإنه نظر في حقيقة الوجوب والجواز لا في حقيقة النسخ
مسألة الجواز ليس فيه أمر
كما فهمت أن الواجب لا يتضمن الجواز فافهم أن الجائز لا يتضمن الأمر وأن المباح غير مأمور به لتناقض حديهما كما سبق خلافا للبلخي فإنه قال المباح مأمور به لكنه دون الندب كما أن الندب مأمور به لكنه دون الواجب
وهذا محال إذ الأمر اقتضاء وطلب والمباح غير مطلوب بل مأذون فيه ومطلق له فإن استعمل لفظ الأمر في الإذن فهو تجوز