كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

وإلا عورض أن الإباحة من جهة الشرع تقرير لا تغيير وليس مع التقرير تجديد أمر بل بيان أنه لم يجدد فيه أمرا بل كف عن التعرض له وسيأتي لهذا تحقيق في مسألة إقامة الدليل على النافي
مسألة: التفريق بين المندوب والمباح
المندوب مأمور به وإن لم يكن المباح مأمورا به لأن الأمر اقتضاء وطلب والمباح غير مقتضى أما المندوب فإنه مقتضى لكن مع إسقاط الذم عن تاركه والواجب مقتضى لكن مع ذم تاركه إذا تركه مطلقا أو تركه وبدله وقال قوم المندوب غير داخل تحت الأمر
وهو فاسد من وجهين:
أحدهما أنه شاع في لسان العلماء أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر استحباب وما شاع أنه ينقسم إلى أمر إباحة وأمر إيجاب مع أن صيغة الأمر قد تطلق لإرادة الإباحة كقوله تعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } ]المائدة :2 [{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا } ]الجمعة:10[
الثاني :إن فعل المندوب طاعة بالاتفاق وليس طاعة لكونه مرادا إذ الأمر عندنا يفارق الإرادة ولا لكونه موجودا أو حادثا أو لذاته أو نفسه إذ يجري ذلك في المباحات ولا لكونه مثابا عليه فإن المأمور وإن لم يثب ولم يعاقب إذا امتثل كان مطيعا وإنما الثواب للترغيب في الطاعة ولأنه قد يحبط بالكفر ثواب طاعته ولا يخرج عن كونه مطيعا
فإن قيل: الأمر عبارة عن اقتضاء جازم لا تخيير معه والندب مقرون بتجويز الترك والتخيير فيه وقولكم أنه يسمى مطيعا يقابله أنه لو ترك لا يسمى

الصفحة 145