كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فالعموم يقتضي العصمة للأمة عنه أيضا ولكن ذلك مشكوك فيه وأمر الدين مقطوع بوجوب العصمة فيه كما في حق النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أخطأ في أمر تأبير النخل ثم قال "أنتم أعرف بأمر دنياكم وأنا أعرف بأمر دينكم ".
التأويل الثاني : قولهم غاية هذا أن يكون عاما يوجب العصمة عن كل خطأ ويحتمل أن يكون المراد به بعض أنواع الخطأ من الشهادة في الآخرة أو ما يوافق النص المتواتر أو يوافق دليل العقل دون ما يكون بالاجتهاد والقياس .
قلنا: لا ذاهب من الأمة إلى هذا التفصيل إذ ما دل من العقل على تجويز الخطأ عليهم في شيء دل على تجويزه في شيء آخر وإذا لم يكن فارق لم يكن تخصيص بالتحكم دون دليل ولم يكن تخصيص أولى من تخصيص وقد ذم من خالف الجماعة وأمر بالموافقة فلو لم يكن ما فيه العصمة معلوما استحال الاتباع إلا أن ثبت العصمة مطلقا وبه ثبتت فضيلة الأمة وشرفها فأما العصمة عن البعض دون البعض فهذا يثبت لكل كافر فضلا عن المسلم إذ ما من شخص يخطىء في كل شيء بل كل إنسان فإنه يعصم عن الخطأ في بعض الأشياء.
التأويل الثالث : أن أمته صلى الله عليه وسلم كل من آمن به إلى يوم القيامة فجملة هؤلاء من أول الإسلام إلى آخر عمر الدنيا لا يجتمعون على خطأ بل كل حكم انقضى على اتفاق أهل الأعصار كلها بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق إذ الأمة عبارة عن الجميع كيف والذين ماتوا في زماننا هم من الأمة وإجماع من بعدهم ليس إجماع جميع الأمة بدليل أنهم لو كانوا قد خالفوا ثم ماتوا لم ينعقد بعدهم إجماع وقبلنا: من الأمة من خالف وإن كان قد مات فكذلك إذا لم يوافقوا.
قلنا: كما لا يجوز أن يراد بالأمة المجانين والأطفال والسقط والمجتن وإن كانوا من الأمة فلا يجوز أن يراد به الميت والذي لم يخلق بعد بل

الصفحة 335