كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

فما أجمع عليه الخواص فالعوام متفقون على أن الحق فيه ما أجمع عليه أهل الحل والعقد لا يضمرون فيه خلافا أصلا فهم موافقون أيضا فيه ويحسن تسمية ذلك إجماع الأمة قاطبة كما أن الجند إذا حكموا جماعة من أهل الرأي والتدبير في مصالحة أهل قلعة فصالحوهم على شيء يقال هذا باتفاق جميع الجند فإذا كل مجمع عليه من المجتهدين فهو مجموع عليه من جهة العوام وبه يتم إجماع الأمة.
فإن قيل: فلو خالف عامي في واقعة أجمع عليها الخواص من أهل العصر فهل ينعقد الإجماع دونه إن كان ينعقد فكيف خرج العامي من الأمة وإن لم ينعقد فكيف يعتد بقول العامي ؟
قلنا: قد اختلف الناس فيه، فقال قوم: لا ينعقد لأنه من الأمة فلا بد من تسليمه بالجملة أو بالتفصيل وقال آخرون وهو الأصح إنه ينعقد بدليلين :
أحدهما: أن العامي ليس أهلا لطلب الصواب إذ ليس له آلة هذا الشأن فهو كالصبي والمجنون في نقصان الآلة ولا يفهم من عصمة الأمة من الخطأ إلا عصمة من يتصور منه الإصابة لأهليته.
والثاني : وهو الأقوى: أن العصر الأول من الصحابة قد أجمعوا على أنه لا عبرة بالعوام في هذا الباب أعني خواص الصحابة وعوامهم ولأن العامي إذا قال قولا علم أنه يقوله عن جهل وأنه ليس يدري ما يقول وأنه ليس أهلا للوفاق والخلاف فيه وعن هذا لا يتصور صدور هذا من عامي عاقل لأن العاقل يفوض ما لا يدري إلى من يدري فهذه صورة فرضت ولا وقوع لها أصلا.
ويدل على انعقاد الإجماع أن العامي يعصي بمخالفته العلماء ويحرم ذلك عليه ويدل على عصيانه ما ورد من ذم الرؤساء الجهال إذا ضلوا وأضلوا

الصفحة 341