كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

الأمة ولذلك لو خالف واحد من الصحابة إجماع التابعين لا يكون قول جميع الأمة ولا يحرم الأخذ بقول الصحابي فإذا كان خلاف بعض الصحابة يدفع إجماع التابعين فعدم وفاقهم أيضا يدفع لأنهم بالموت لم يخرجوا عن كونهم من الأمة
قالوا :وقياس هذا يقتضي أن لا يثبت وصف الكلية أيضا للصحابة بل ينتظر لحوق التابعين وموافقتهم من بعدهم إلى القيامة فإنهم كل الأمة لكن لو اعتبر ذلك لم ينتفع بالإجماع إلا في القيامة فثبت أن وصف الكلية إنما هو لمن دخل في الوجود دون من لم يدخل فلا سبيل إلى إخراج الصحابة من الجملة وعند ذلك لا يثبت وصف كلية الأمة للتابعين
والجواب أنه كما بطل على القطع الالتفات إلى اللاحقين بطل الالتفات إلى الماضين ولولا ذلك لما تصور إجماع بعد موت واحد من المسلمين في زمان الصحابة والتابعين ولا بعد أن استشهد حمزة وقد اعترفوا بصحة إجماع الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موت من مات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذلك إلا لأن الماضي لا يعتبر والمستقبل لا ينتظر وأن وصف كلية الأمة حاصل لكل من الموجودين في كل وقت
]هل ينعقد إجماع لاحق على خلاف قول سابق [:
وأما إجماع التابعين على خلاف قول واحد من الصحابة فقد قال قوم يصير قول الصحابي مهجورا لأنهم كل الأمة وإن سلمنا وهو الصحيح فنقول إن اتفقوا على وفق قوله انعقد الإجماع إذ موافقته إن لم تقو الإجماع فلا تقدح فيه وإن أجمعوا على خلاف قوله فلا يصير ذلك القول عندنا مهجورا حتى يحرم على تابعي التابعين موافقته لأنه بعد أن أفتى في المسألة فليس فتوى التابعين فيها فتوى جميع الأمة بل فتوى البعض.
فإن قيل: إن ثبت نعت الكلية للتابعين فليكن خلاف قولهم بعدهم حراما وإن قال به صحابي قبلهم وإن لم يكونوا كل الأمة فينبغي أن لا تقوم الحجة بإجماعهم ولا يحرم خلافهم إذ خلاف بعض الأمة ليس بحرام أما أن تكون

الصفحة 355