كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 1)

كلية الأمة في شيء دون شيء فهذا متناقض وجمع بين النفي والإثبات.
قلنا: ليس بمتناقض لأن الكلية إنما تثبت بالإضافة إلى المسألة التي خاضوا فيها فإذا نزلت مسألة بعد الصحابة فالتابعون فيها كل الأمة إذا أجمعوا فيها أما ما أفتى فيها الصحابي ففتواه ومذهبه لا ينقطع بموته وهذا كالصحابي إذا مات بعد الفتوى وأجمع الباقون على خلافه لا يكون ذلك إجماعا من الأمة ولو مات ثم نزلت واقعة بعده انعقد الإجماع على كل مذهب وتكون الكلية حاصلة بالإضافة.
فإن قيل: إن كان في الأمة غائب لا ينعقد الإجماع دونه وإن لم يكن لذلك الغائب خبر من الواقعة ولا فتوى فيها لكن نقول لو كان حاضرا لكان له قول فيها فلا بد من موافقته فليكن الميت قبل التابعين كالغائب.
قلنا: يبطل بالميت الأول من الصحابة فإن الإجماع انعقد دونه ولو كان غائبا لم ينعقد لأن الغائب في الحال ذو مذهب ورأي بالقوة فتمكن موافقته ومخالفته فيحتمل أن يوافق أو يخالف إذا عرضت المسألة عليه بخلاف الميت فإنه لا يتصور في حقه خلاف أو وفاق لا بالقوة ولا بالفعل بل المجنون والمريض الزائل العقل والطفل لا ينتظر لأنه بطل منه إمكان الوفاق والخلاف.
فإن قيل: فما أجمع عليه التابعون يندفع بخلاف واحد من الصحابة إذا نقل فإن لم ينقل فلعله خالف ولكن لم ينقل إلينا فلا يستيقن إجماع كل الأمة
قلنا: يبطل بالميت الأول من الصحابة فإن إمكان خلافه لا يكون كحقيقة خلافه وهذا التحقيق وهو أنه لو فتح باب الاحتمال لبطلت الحجج إذ ما من حكم إلا ويتصور تقدير نسخه وانفراد الواحد بنقله وموته قبل أن ينقل إلينا فيبطل إجماع الصحابة لاحتمال أن واحدا منهم أضمر المخالفة وإنما أظهر الموافقة لسبب ويرد خبر الواحد لاحتمال أن يكون كاذبا وإذا عرف الإجماع وانقرض العصر أمكن رجوع واحد منهم قبل

الصفحة 356